|
عن الفيغارو في تلك الأعوام كانت الولايات المتحدة الأميركية تعيش صدمة اندحارها في حرب فيتنام واستفحال التمييز العنصري في أنحاء ولاياتها. مشاركة القوات الأميركية وأجهزة استخباراتها في تلك الحروب والفرق بين مرحلة ستينيات القرن الماضي ومطلع القرن الحالي هو في استخدام الأسلحة في كلتا الحربين. هذا ما يسجله الروائي الأميركي كارك مارلانت في روايته الأخيرة« عودة إلى ماترهورن، القتل من أجل القتل» على لسان بطلها الوحش والمحارب الخطير السابق في فيتنام. لقد كان النابالم والسلاح الذي استخدمه الجيش الأميركي في فيتنام يؤدي إلى تناثر البشرة قطعاً كما يتناثر ورق الأشجار فيتعرى الإنسان المقاتل والمدني من جلده هذا من جهة ومن جهة ثانية هناك المجتمع الأميركي الذي قسي عوده بعد تهديدات الحرب الباردة وصراع الزنوج في الولايات المتحدة الأميركية من أجل حقوقهم المدنية حيث ساروا على خطا كينغ والبلاك بونتيرز فيتوقف مارلانت مطولاً عند تلك الصراعات العنصرية والتي كانت عاملاً في عدم استقرار المجتمع الأميركي لسنوات طويلة. وكما كان الحال في حروب الهند الصينية كذلك هو الأمر اليوم في الشرق الأوسط حيث يهيمن الرعب والقتل كما يشير الكاتب. ويصف هذا المارينز العائد من فيتنام«مارلانت» في روايته التي تشبه رائعة نورمان ميلر« العراة والأموات» بقوة أسلوبها وحبكتها وتسلسل أحداثها ومارلانت يسير على خطا ميلر وفيليب كابوتو وتيم أوبريان ومايكل هير وغوستاف هاسفورد إلا أن مارلانت يضيف إلى ما كتبه هؤلاء في رواياتهم صوراً شاهدها بأم عينه لا بل شارك في صناعة أحداثها ويبلغ كارل مارلانت هذا من العمر اليوم ستة وستين عاماً وكان عام 1969 طالباً في جامعة يل عندما تم إرساله إلى جنوب شرق آسيا في صفوف المارينز إلى منطقة تقع وسط فيتنام على مقربة من حدود لاغوس وكانت مسؤوليته تنحصر في الإشراف على جنود ينتمون لفئات فقيرة من الشعب الأميركي الذين انخرطوا في القوات الأميركية مقابل حفنة من الدولارات ولا يعلمون أن البنتاغون يزمع اتخاذهم كجرذان مخابر لتجربة أسلحته الجديدة الكيميائية وسواها. عاد بطل هذه الرواية محملاً بالنياشين إلى الأوريغون مسقط رأسه رغم صدماته النفسية ليجد المجتمع الأميركي تحت وطأة حرب أدت به إلى الانفصام. وكان ميلاس الشخصية الرئيسية في الرواية- وهي شخصية الكاتب الذي يجسد تجربته الشخصية- ينتمي لفرقة«برافو» ويعيش يومياً العذاب والموت العبثي والألم الوجداني والتمييز العنصري واليأس والرعب حتى الجنون وكانت مهمة ميلاس تتمحور حول الهجوم على هضبة ماترهورن وتحصينها قبل مغادرتها لإفساح المجال ليدخلها الفيدغونغ ومن ثم اقتحامها مجدداً بعد أن أصبحت فخراً للفيتناميين الشماليين. لم تختلف الخطوط العريضة لرواية مارلانت عن نظيرتها«العراة والأموات» فالسياسة التي تحرك الوقائع العسكرية هي ذاتها كما يحدث اليوم في أفغانستان على سبيل المثال فكبار ضباط المارينز لا يفكرون إلا بمراتبهم وترقيتهم ورواتبهم العالية أما المقاتلون من المارينز وسواهم من قوات أميركية منتشرة في فيتنام فكانت جهودهم أن يبقوا أحياءً لكن مجموعة كبرى منهم أصيبت في نهاية المطاف بجنون القتل من أجل القتل فهم جاؤوا إلى حرب لا تعنيهم وأصابتهم الحمى التيفية والعلق الذي يمص دماءهم إضافة إلى العطش والطعام الملوث والخوف المستفحل حتى أصبح حب البقاء هدفاً فارغاً من معناه وطلب الموت وهو رغبة تريح صاحبها. هكذا يصور مارلانت شجاعة الجبناء والهيستريا والجنون الذي رافق جنود المارينز الذين أدركوا أن الخسارة والاندحار في انتظارهم لا محالة. |
|