تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ثقافة الاغتراب

الملحق الثقافي
19-2-2013م
مانيا سويد

ليست ثقافة الاغتراب فقط أن نعاني من ارتداء ثوب الغرب فنجعله يطغى على ثوبنا فتضيع معالمنا وتذوب موروثاتنا الشرقية، ليست ثقافة الاغتراب فقط أن نتلقف عادات وتقاليد الغرب وننقلها إلينا فنعيش بهوية غير هويتنا،

لكن الاغتراب أيضاً، وقبل ذلك، أحاسيس ومشاعر مؤلمة وأمراض اجتماعية تتغلغل في أجسادنا وتجري في دمائنا وتفرض علينا من الآلام ما هو أشد قسوة وأكثر رعباً من التشبه بالآخر.‏

الجلوس بين جماعة لا تواصل ولا انسجام ولا تفاهم بينك وبينها «اغتراب». ابتسامتك في وجه الآخر والترحيب به واستقباله وأنت لا تحبه «اغتراب».‏

ممارسة عمل لا تميل إليه أو مزاولة مهنة تضطر إليها أو تعاطي حرفة تكرهها كي تؤمن لنفسك لقمة العيش «اغتراب». قبولك ممتعضاً لفكر تراه متطرفاً حاقداً جارفاً يتنافى مع قناعاتك ويرفضه عقلك ووجدانك «اغتراب».‏

ارتداؤك ثوباً أو لوناً لا يوافق مزاجك ويقشعر منه جسدك «اغتراب». حصولك على الشبع بطعام يتخمك ولا تشتهيه «اغتراب».‏

كبت مشاعرك وحجب تعبيرك عن حقيقة ما يجيش به صدرك «اغتراب». تحاملك على نفسك لمواصلة قراءة كتاب تافه الهدف ركيك الأسلوب ضعيف المعاني كي تنهيه «اغتراب».‏

مشاهدتك لمباراة كرة القدم وأنت تمقت هذه اللعبة هروباً من دراما الحياة والتلفاز التي تكرهها بدورها «اغتراب». معاشرتك لزوج ثقيل يجثم على صدرك كالجبل «اغتراب».‏

رحيلك وأنت راغب في البقاء «اغتراب». بقاؤك وأنت راغب في الرحيل «اغتراب».‏

في جميع الأحوال التي تجد فيها نفسك بعيداً عن نفسك أو تجد نفسك غير نفسك أو تسكنك روح غير روحك أو يكسوك جسد غير جسدك أنت في حالة «اغتراب». ليس الاغتراب محصوراً في مفهوم تقليد الغرب لكنه موجود في كل ما نضطر إلى فعله أو قبوله كارهين، وما أكثر ما نفعل في حياتنا كارهين! من أصغر الأمور إلى أعظمها.‏

نمضي جل حياتنا بين الجهر بالفعل وإخفاء التمني، بين ما يجب أن يراه الناس وما ترتاح إليه نفسك، تلك هي ثقافة الاغتراب التي نعاني منها وتحتوينا جميعاً، لم نشعر يوماً أننا فعلنا ما تمنينا أو تمنينا ما نفعل.‏

رحم الله نزاراً الذي صرخ: أقاوم كل أسواري، أقاوم واقعي المصنوع من قش وفخار، أقاوم أهل الكهف والتنجيم والزار.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية