|
شؤون سياسية جواباً على سؤال المذيع « كيف تعرفون ما يحدث في درعا إذا كانت الاتصالات السلكية واللاسلكية قد قطعت كما تقولون ؟» : « لقد احتطنا للأمر مسبقاً بتوفير هواتف تعمل على شبكات الدول المجاورة ». الطريف أن صاحب هذا الاعتراف الخطير حول التدبير المسبق قد اتخذ منذ البداية وحتى الآن موقفاً يرفض لجوء المعارضة إلى السلاح , مثلما اتخذ موقفاً يرفض التدخل الخارجي . وهذا يعني بوضوح أن أصحاب المؤامرة الأصليين عاملوا كل شخص ورطوه فيها بالمنطق الذي يرضيه , ولعلهم لم يكشفوا كامل أوراقهم حتى الخاصة. وعليه , فإن منطق التوريط كان أكبر بكثير من منطق الاستقطاب القائم على الإقناع والاقتناع . إن الإقرار ولو بتهيئة الهواتف اللازمة يعني أن ترتيبات إثارة الفتنة كانت مهيّأة من قبل , وأن الحراك لم يبدأ عفوياً كما يدّعون . وكان المنطق يفترض تمكين أجهزة الأمن من معرفة الأشخاص الذين يقفون وراء الحراك . لكن كل الضغوط والأكاذيب منذ ذلك الحين وحتى الآن مورست للحيلولة دون معرفة ومحاسبة المحرّكين . ولقد أتيح لنا بعد ذلك أن نطلع على خطة بندر – فيلتمان وخطط وتفاهمات أخرى كلها تدور حول المؤامرة وأدواتها وأساليبها . وبتعبير آخر تسنّى لنا أن نعرف كيف يفكر الطرف المتآمر , وما هي أساليبه . والآن , وبعد مرور أكثر من سنة على بدء الأزمة , يبدو أنه بات من الضروري أن نذكر ونتذكر ما يتصل بالعمود الفقري لخطة بندر – فيلتمان لنرى أين حدث النجاح في مواجهتها , وأين لم ننجح , وذلك حتى لا نغرق في التفاصيل اليومية وتشغلنا عن رؤية المشهد الإجمالي . بالعودة إلى تلك الخطة , نلاحظ أنها تحدثت إلى جانب الحديث عن شبكة الوقود وشبكة البلطجية وشبكة الطائفيين العرقيين وشبكة الإعلاميين , وهي شبكات رأينا ممارساتها على الأرض , عن شبكة رأس المال التي قيل إنها تتألف من التجار وأصحاب الشركات والبنوك والمراكز التجارية . من المؤكد أن هذه الخطة التي وضعت عام 2008 طرأت عليها تعديلات سواء قبل أو بعد بدء التنفيذ . وهذا أكيد , فإن الشبكات التي وضعت في خدمة المؤامرة هي أكبر بكثير من حجم المؤامرة الأصلية , ثم إن أصحاب الخطة كانوا حريصين على إخفاء الكثير من المعلومات أو التفاصيل المتعلقة بها , لأن ما نشروه أرادوه دليل عمل لعملائهم وليس كشفاً لكامل أبعاد الخطة المبيتة , وما تنطوي عليه من احتمالات . ومع ذلك , فإن التدقيق في الخطة الأصلية , وبعد وضعها في نطاق التنفيذ لأكثر من سنة , يتيح لنا أن نستخلص الملاحظات الأساسية التالية التي تستوجب التركيز عليها حالياً : - إن عرض الشبكات على النحو الوارد في الخطة فيه تجاهل لبديهية معينة تتمثل في وجود أناس في الداخل وراء تنظيم وتمويل وتسليح وتجهيز الشبكات المسلحة وغير المسلحة , وهم يقومون بدور الرأس والعقل المدبّر , وليس ضرورياً أن يتورطوا هم بشكل مباشر في سفك الدم . ولكنهم يديرون تنفيذ الخطة المرسومة على الأرض بما فيها من التحريض والتنظيم والتمويل والتسليح . ومن الواضح أن القوى المعادية جهدت منذ بدء الأزمة في الضغط للحيلولة دون ملاحقة هؤلاء ومحاسبتهم بدعوى أن هذه الملاحقة والمحاسبة انتهاك لحقوق الإنسان , أو سعت إلى إظهار هؤلاء على أنهم مجرّد معارضة سياسية . - إذا نحن وضعنا جانباً قصة الباخرة لطف الله 2 وما قيل عن وجود تجار سوريين كبار في الخارج وراء تمويل شحنتها من الأسلحة , فإننا لم نعرف شيئاً حتى الآن عن « شبكة رأس المال » التي تفترضها الخطة وكيف زاولت هذه الشبكة نشاطها , مما يعني أن هذه الشبكة لا زال يكتنفها الغموض . وهنا يجب أن نميز في الواقع بين أمرين مختلفين هما : التورط في إدارة التمويل للأزمة كجزء من المؤامرة , والدور السياسي المطلوب من بعض التجار , وهي قضية منفصلة . وما يهمنا هنا هو كشف المتورط مسبقاً , أي الشريك في المؤامرة منذ الأساس . أي شبكة التمويل . - مع أن خطة بندر – فيلتمان تضمنت القول إنه « يمكن في ظل الفوضى اغتيال ضباط من رتب عليا » , إلا أننا نعتقد أن هذا الاغتيال يقوم به طرفان : أولهما شبكة تابعة مباشرة للموساد الصهيوني وهي الأخطر . وثانيهما عناصر ما يدعى بالجيش الحر سواء بالمصادفة أو بناء على تكليف من غرف العمليات الخارجية التي يتواجد فيها الموساد أيضاً, أو تنفيذاً لتوجيهات عامة من قبل غرف العمليات الخلفية الخفية هذه . إن القضايا السابقة تعني أنه رغم كل الإنجازات التي تحققت في إحباط المؤامرة إلا أن هناك غموضاً لا يزال بحاجة إلى الجلاء , أو بالأحرى مشكلات لا تزال بحاجة إلى المعالجة . وهذه المشاكل هي : - كشف مدبّري ومثيري ومديري الفتنة في الداخل ممن كانوا متورطين فيها قبل أن تبدأ تفاعلات الأزمة , ومحاسبتهم قانونياً على دورهم في إثارة الفتنة وإدارتها . وإذا كانت الفتنة أشدّ من القتل , فإن من أثاروا الفتنة من المتآمرين هم أخطر من الأشخاص المتهمين بسفك الدم السوري . فمثير الفتنة مسؤول عن كل الدماء التي سالت من كل الأطراف دون استثناء . - كشف قنوات تمويل الفتنة , ومحاسبة المتورطين في هذا التمويل أياً كانوا , ومهما كان الغطاء . ففتنة بالحجم الذي شهدته البلاد لا يعقل أن تكون قد أديرت بتحويلات مالية بسيطة عابرة . - كشف شبكات الموساد , وتصفيتها . من المؤكد أن ظروف ومنطق التآمر الخارجي , وما واكبه من تضليل إعلامي لم يعرف له تاريخ البشرية مثيلاً , قد أسهم في إعاقة المعالجة المنطقية الكاملة لبعض حلقات المؤامرة. لكن إلحاق الهزيمة بالجسد الأساسي للمؤامرة , وانكشاف دور الجهات المتآمرة في رعاية الإرهاب الدولي , وحتمية مواجهة سورية لهذا الإرهاب رغم أنف الحاقدين المتآمرين من كل جنس ودين , واستحالة القبول بأيّ تقصير في معالجة ملف جرائم الموساد مهما كانت التحديات باعتبار أنها جزء من المجابهة مع العدو الرئيسي للبلاد . كل ذلك يعني أنه حانت اللحظة التي ننتظر فيها توسعاً في ملاحقة أطراف المؤامرة , واجتثاثاً لها . ولعل من أول المستلزمات الآن صياغة قانون جديد لمحاربة الإرهاب . ونعتقد جازمين أن من حق سورية في هذا المجال أن تتبنى قوانين تماثل تلك التي اعتمدها الآخرون في هذا السياق . بل نعتقد أن معياراً يجب الأخذ به , وهو أن يدرك المتورط في خدمة المتآمرين أن تطبيق القانون عليه يعني حتماً أنه قد يخسر أكثر بكثير من المكاسب التي يعرضها عليه أطراف التآمر . إن اقتحام شبكات القاعدة والموساد للمشهد بعد فشل العصابات المسلحة المحلية قد يكون استثماراً انتهازياً للوضع , ولكنه قد يكون أيضاً مقدّمة لفصول أخرى من المؤامرة . وهنا , يبدو من الضروري أن نعود إلى التأكيد على تلك الشبكة الأساسية التي كانت قد جنّدت قبل بدء الأزمة , ولا زالت تقوم بأداء الوظيفة المسندة إليها في الأزمة , لا لشيء إلا لأن أعضاءها لم يحملوا السلاح بشكل مباشر , ولم يطلقوا النار بشكل مباشر , وإنما تركوا سواهم يحمل السلاح , وتركوا سواهم يطلق النار , فكانوا شياطين الفتنة الحقيقيين. هؤلاء إلى جانب شبكة رأس المال أو التمويل الذين يمثلون عصب الفتنة ودماغها . من دون الدماغ والعصب تنتهي المؤامرة كلياً . |
|