تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءات في الصحافة الإسرائيلية... إسرائيل تتهيأ لما بعد مبارك!

ترجمة
الأربعاء 16-2-2011م
إعداد وترجمة :أحمد أبوهدبة

لااحد في الكيان الإسرائيلي كان يصدق نفسه وهو يشاهد النظام المصري يتهاوي ويخرج من المشهد المصري والإقليمي والدولي ،ولعل في قول بن اليعازر احد أصدقاء حسني مبارك في مقابلة تلفزيونية بأنه لايصدق ما يجري في مصرما يعكس الصورة كاملة في إسرائيل ،

رغم أن الكثيرين قد توقعوا ذلك في الأيام الأخيرة من ثورة الشعب المصري ، فإسرائيل تجد نفسها هذه الأيام في المنطقة أمام واقع مغاير تماما لكل تقديراتها وخططها السياسية والاستراتيجية ، بل أنها أمام كابوس أو بمعنى أصح كارثة على حد تعبير هآرتس‏

فالمشهد المصري الجديد رفع منسوب الخوف والهلع لدى المسؤولين الإسرائيليين كافة وهو ما عبرت عنه تسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما قبل سقوط النظام المصري بيومين حين قالت :« إن إسرائيل تشعر بالخوف الشديد على مستقبلها في المنطقة جراء ما يحدث في مصر والمنطقة عموما» في الوقت الذي بشر فيه غابي اشكنازي رئيس الأركان المنتهية ولايته بان على جيشه الاستعداد لحرب على جبهات جديدة وغير مألوفة مشيرا إلى أن :«الحرب باتت تختلف من نواح عديدة عن الحروب السابقة، كما أن ساحة المعركة تختلف ».‏

الخوف من الجهل‏

الخوف من المجهول هو العنوان الذي اتفقت عليه عناوين الصحف الاسرائيلية رغم الترحيب الخجول لبعض هذه العناوين بثورة الشعب المصري غير أن ذلك لم يمنع مسؤولين سابقين من التعليق على هذه الأحداث التي اعتبروها مدخلاً إلى تغيير أشمل في العالم العربي والشرق الأوسط من شأنه أن يؤدي إلى عزل إسرائيل في المنطقة، وخاصةً بعد خسارة الموقف التركي العام الماضي.ورأى السفير الإسرائيلي السابق في مصر تسفي مازل في حديث مع التلفزيون الإسرائيلي ان إسرائيل تواجه «مرحلة صعبة»، حيث إن «تركيا وإيران ستحشدان المواقف ضدّنا، ويجب نسيان مصر السابقة. فهي مرحلة جديدة تماماً الآن، ولن تكون سهلة أبداً».‏

كما ذكرت مصادر أمنية رفضت الكشف عن اسمها أنها قلقة من أنه في حال عدم احترام اتفاقية السلام، ستضطر المؤسسة العسكرية إلى مراجعة سياساتها. فيما أعرب مسؤول حكومي إسرائيلي عن اعتقاده ان بلاده تأمل بأن «تكون الفترة الانتقالية التي بدأت في مصر هادئة من أجل مصر وجميع جيرانها ايضا».‏

وعلى الرغم من ترحيب نتنياهو بما أعلنه المجلس العسكري للقوات المسلحة المصرية باحترام الاتفاقيات الدولية والإقليمية فقد أمر نتنياهو بالإسراع في إنجاز بناء الجدار الأمني الضخم على طول الحدود بين سيناء وإسرائيل، من أجل منع تهريب الأسلحة والأشخاص المسلحين من مصر. وقال: إن إسرائيل قررت إقامة الجدار لأسباب أمنية ونظامية منذ عدة سنوات، ولكن الأوضاع الحالية (في مصر)، تحتم الإسراع في تنفيذ هذا المشروع. وذكرت مصادر سياسية في القدس أن الحكومة اطلعت على صورة أولية بخصوص الأوضاع في العالم العربي، حيث إن أجهزة الأمن الكبيرة، تتابعها عن كثب وتزود الحكومة بالدراسات والتقييمات اللازمة لبناء برامجها ومشاريعها السياسية القادمة.‏

التطبيع مجمدّ أصلاً‏

والجدير بالذكر ان احد أهم الباحثين بالشؤون الأمنية والاستراتيجية ناتان براون يقدر أن السلام المصري – الإسرائيلي هو - أصلاً - مجمّد، ولم يحاول النظام المصري السابق تحريكه على الصعد الاجتماعية. غير أن التنسيق الأمني والدبلوماسي كان على أعلى مستوياته في عهد مبارك، ولا سيما في القضايا التي تعني غزّة وحماس. وقد يكون هذا التنسيق مهدّدا الآن .أما بالنسبة للنظرة الإسرائيلية لشخص مبارك، فيعتبر براون أن المشكلة لم تعد مبارك بحدّ ذاته أو عمر سليمان، إنما همّ إسرائيل الرئيسي يكمن في تغيير النظام ككلّ. فلو استمر النظام السابق، لكان بالإمكان الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية والأمنية الوطيدة، غير أنه مع واقع التغيير، سيكون للشارع المصري دور أكبر بكثير.‏

ونقل المحلل العسكري في صحيفة يديعوت احرنوت عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها: إن فترة من عدم الاستقرار سوف تسود المنطقة، وأن ذلك يتطلب متابعة جذرية للتغيرات التي تحصل.‏

وأضاف المحلل أن الأجهزة الأمنية تتحدث مؤخرا عما أسمته «رياح سلبية» تهب من دول الجوار، وأن «الرسالة المركزية هي عدم الاستقرار، وعدم الوضوح بشأن ما سيحصل، وأن الأمر يتطلب الرد المناسب».واعترفت المصادر ذاتها أيضا أنه «يترافق مع الوضع الحالي بعد آخر يتمثل في عدم القدرة على وضع تقديرات بشأن ماذا سيحصل».و أن التقديرات الإسرائيلية السائدة تشير إلى أن «الأحداث في مصر من الممكن أن تخلق مستقبلا جبهة أخرى أمام الأجهزة الأمنية في حال وصلت عناصر متطرفة إلى الحكم».وختم المحلل أنه يوجد لدى الأجهزة الأمنية «خطة أدراج» تم إعدادها في السنوات الأخيرة لليوم الذي يلي ولاية حسني مبارك. وقد تم وضعها على خلفية الوضع الصحي للرئيس المخلوع.كما علم أن الموضوع المصري إلى جانب تغييرات أخرى في المنطقة ستكون أول ما يتركز به رئيس هيئة أركان الجيش الجديد بيني غينيتس، وأنه من غير المستبعد أن تؤثر المناقشات التي تجري في هذا الشأن على برامج العمل للسنوات القادمة.‏

استراتيجيات الجيش‏

المحللون العسكريون والمهتمون بالشأن الامني والاستراتيجي ،فهموا من كلام اشكنازي الذي ألقاه أمام مؤتمر هرتسيليا وخاصة حول المخاطر الجديدة والكبيرة التي سوف تكون ماثلة أمام اسرائيل جراء سقوط النظام المصري حيث ان المشهد في اسرائيل سوف يتغير على نحو كبير جراء ما يجري في مصر وان هذا التغيير سوف يعكس نفسه على استراتيجيات الجيش وعقيدته القتالية وحتى بنيته وتشكيلاته ووحداته القتالية، وسوف تضاف اليه أعباء كبيرة وضخمة جدا ان على صعيد الجبهات القتالية او الجبهة الداخلية.‏

ناهيك عن الأعباء الاقتصادية الضخمة المترتبة عن ذلك كله، فإغلاق أنابيب الغاز القادمة من مصر بعد تفجيرها سوف يحرم الاقتصاد الاقتصادي من ميزات كبيرة ان على مستوى الأسعار البخسة التي تدفعها اسرائيل مقابل الغاز المصري او على مستوى إيجاد البديل المناسب ، في ظل الغلاء الفاحش الذي يعاني منه الشارع في الكيان الاسرائيلي واستعداد قطاعات واسعة من العمال والطلبة لسلسلة واسعة من الإضرابات في الأيام المقبلة‏

والاهم من ذلك كله التخوف الإسرائيلي الفوري وعلى المدى القريب، ينبع من انتقال ما يعتبره المحللون العسكريون الإسرائيليون الانفلات في مصر الى منطقة الحدود مع إسرائيل. وصول سجناء غزيين هربوا من السجون المصرية وعادوا الى بيوتهم في غزة تسللاً، ضاعف القلق الإسرائيلي من خطر أن تتحول المناطق الحدودية الى معابر لنقل الأسلحة المتطورة الموجودة بحوزة الجيش المصري ودخول مقاتلين من تنظيمات تعتبرها إسرائيل معادية لها الى القطاع، لتضاعف الخطر الذي تشكله التنظيمات الفلسطينية المسلحة على إسرائيل. ومع إطلاق صواريخ غراد على إسرائيل ليلة تظاهرة الملايين في مصر، تصاعد هذا القلق الأمني وراحوا يتحدثون عن خطر تدهور الأوضاع. وهناك من أطلق أصوات تدعو الى إعادة احتلال شريط الحدود مع غزة في مقابل تكثيف الجيش لدورياته في المنطقة وعلى طول الحدود مع سيناء.‏

فقدان حليف مخلص‏

الثورة في مصر العنوان الأبرز في الصحف الاسرائيلية،والحزن على فقدان حليف مخلص يستحوذ على معظم التحليلات ، والتشاؤم مما يحمله التطورات الاتية من مصر والعالم العربي السمة الغالبة التي تسيطر على جميع وسائل الإعلام الاسرائيلية .هارتس كتبت في افتتاحيتها:«مبارك روج حتى آخر لحظات حكمه ل «الامن والاستقرار»، وإسرائيل رأت في نظامه سندا استراتيجيا حيويا. تمسكه باتفاق السلام منح اسرائيل ازدهارا، حدودا هادئة وتوريدا للطاقة، وأساسا للانخراط كجار مرغوب فيه في المنطقة. اما الان فستكون اسرائيل مطالبة بان تتكيف مع الحكام الجدد في مصر. التغيير الدراماتيكي خلف الحدود يثير بطبيعته المخاوف، ولكن محظور على اسرائيل أن تتدخل في الشؤون الداخلية للجار الجنوبي. ليس لمصر نزاع مع اسرائيل ولا ينبغي عرضها كعدو. رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو ملزم بان يفرض على نفسه ضبطا للنفس وكبحا للجماح. تحذيراته من أن مصر قد تتحول الى إيران جديدة والأحاديث عن زيادة ميزانية الدفاع، تخلق فقط توترا ضارا وتضع اسرائيل في جانب النظام المطاح به. الثورة المصرية لم تنبع من العلاقات مع اسرائيل، وخير يفعل نتنياهو اذا ما صمت وأعطى فرصة لقيام ديمقراطية في الدولة المجاورة.‏

الاستيقاظ من دون مبارك‏

ناحوم بارنيع كبير المحللين في يديعوت احرنوت كتب تحت عنوان «الاستيقاظ بدون مبارك»‏

حكومة اسرائيل تتكيف بسرعة مع اليوم التالي لمبارك. الانتقال هو من الفزع الى التسليم، من نبوءات الخراب الى الجهد الواعي للتدبر مع ما هو موجود. ايهود باراك، الذي عاد في ليل السبت من لقاءات مع القيادة الأميركية الأمنية، اقترح على نظرائه الأميركيين ان يولوا اهتمامهم للجيش المصري: فآلاف الضباط المصريين تلقوا تأهيلاتهم في الولايات المتحدة أو تعرضوا بوسائل أخرى الى مساهمة أمريكا في مصر.‏

اما ايلي فودا البروفيسور في دائرة الدراسات الإسلامية والشرق الاوسط في الجامعة العبرية فقد كتب في يديعوت يقول:«على نحو مفعم بالمفارقة، أعادت الثورة الشعبية مصر الى مكانها الطبيعي في العالم العربي. مرة أخرى، مثلما كان في الماضي، عيون العالم والمنطقة تتطلع الى التطورات الدراماتيكية في القاهرة. مرة أخرى كما كان في الماضي تشكل مصر نموذجا للدول المجاورة وللمجتمعات الأخرى في الدول العربية. ليست هذه هي الطريقة التي أراد فيها النظام في مصر استعادة كرامته الضائعة، ولكن هذا هو الواقع.‏

نهاية فصل مهم‏

ولم تنس تحليلات الصحف الاسرائيلية من ان تصب جام غضبها على إدارة الرئيس اوباما جراء ما وصفته بخيانتها لمبارك ، فتحت عنوان « أميركا ومبارك: سيرة الخيانة» كتب ايلي افيدار في اسرائيل اليوم يقول :«استقال رئيس مصر حسني مبارك من منصبه بعد نحو من شهر من نشوب الاضطرابات ونقل سلطاته الى الجيش المصري. هذه نهاية فصل مهم حرج في حياة مصر السياسية، وهي الدولة العربية الكبرى. لكنه علامة طريق ايضا في السلوك الأميركي مع حليفهم الأكبر الأهم، ذي الحلف في المثلث الاستراتيجي بين الإسلام والعالم العربي والقارة الأفريقية.ينبغي ألا يوجد شك عند أحد في ان سلوك أميركا الإشكالي خلّف في الدول العربية طعم الخيانة وهم، بخلافنا، لا ينسون بسهولة».‏

المجهول في انتظار اسرائيل عنوان يلخص الواقع في الكيان الاسرائيلي كتبه تسفي مزال في معاريف :»سقوط مبارك هو بلا ريب نتيجة قصر نظره وسوء فهمه لما يجري في بلاده المصابة بالفقر والفساد. وكان الانفجار متوقعا منذ زمن بعيد، ولكن الجميع اعتقد أيضا بأن حكمه قوي ومستقر. ما كان بوسع احد أن يتوقع الثورة. وحتى المتظاهرين لم يعرفوا بأن انفجارهم سيصنع التاريخ. ولم يعد بوسع إسرائيل سوى انتظار المجهول»‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية