|
هآرتس وإن ما شهدناه من سقوط للسلطة في تونس، وما تتعرض له مصر من أحداث جعلت إدارتها على شفا السقوط، وما يجري في الوقت الحاضر في كل من الأردن واليمن والجزائر يعطي مؤشرا لا لبس فيه بأن الكثير من دول المنطقة يعاني من حالة عدم الاستقرار. وفي هذا السياق، قال عدد من المعلقين بأن ما يجري من أحداث يعود بشكل رئيس للأوضاع المعيشية المتردية بالمنطقة، فضلا عن فقدان الحرية والعدالة، لكنهم كانوا جميعا يركزون بشكل مباشر على كلمة كرامة، تلك الكلمة التي شهدنا استخداما لها في أحيان كثيرة عند عرض ما يحتاجه الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي. لذلك وجدت لزاما علي أن أضع تعريفا مناسبا لتلك الكلمة البالغة الأهمية، وهو أن الكرامة تعني «حصول المرء على ما يستحقه من تقدير واحترام». لا ريب بأن المرء يصبو إلى ما يحقق العدالة في المجتمع، وتعتبر تلك الحاجة مطلباً أساسياً يجمع عليه البشر بشكل عام، ولا يمكن لأي كان تجاهلها على الإطلاق. لكن من المؤكد أن بعض قادة الدول العربية يبخلون على مواطنيهم في تحقيق ما ينشدونه من كرامة لذلك نجدهم اليوم يلاقون نتائج تجاهلهم رغبة شعوبهم. وإننا نرى بأن كل ما يجابهونه أولئك القادة لا يمثل في واقعه إلا نتيجة لعدم سعيهم لحفظ كرامة شعوبهم. وسواء كان تصرفهم هذا قد قاموا به عن عمد أم لا فإنهم في نظر مواطنيهم شركاء للاحتلال الإسرائيلي لأنهم عاجزون عن الوقوف في وجه ممارساته. وبتقديرنا نرى أن المجابهة تعتبر بالنسبة للمواطن العربي ضربا من ضروب الكرامة. إن ما سلف ذكره، يفسر لنا الأسباب التي قادت إلى تمتع زعيم حزب الله حسن نصر الله بشعبية واسعة تحققت له إزاء مجابهته لإسرائيل قولا وفعلا والتي جعلت العرب يشعرون برغبة جامحة في استعادة كرامتهم الأمر الذي فشل معظم القادة بتحقيقه. وبذلك فإن هذا النوع من الكرامة التي تحققت لهم عبر المجابهة مع عدوهم كان لها الأثر الفعال في إبراز المطالبة بالكرامة في بلدانهم. إن ما ذكرناه أنفا، يفسر لنا الأسباب التي جعلت من سورية أقل عرضة لمواجهات داخلية من الدول العربية، ذلك لأن السياسة السورية دأبت على توفير الكرامة لمواطنيها، ودعم المقاومة ضد إسرائيل قد وفر لها الحصانة . يضاف إلى ذلك، رفضها الانصياع للإملاءات الإسرائيلية والأميركية مما زاد تدعيما لتلك الحصانة. لا شك بأن الشعور العربي القومي بهدر الكرامة جراء ما يمارسه الإسرائيليون تجاه الفلسطينيين يعتبر أحد الأسباب الرئيسة في التحركات والثورات التي تنشب في تلك البلدان. لذلك يلاحظ بأن البلدان العربية الأكثر ديمقراطية أصبحت من أكثر الحكومات التي تطالب بإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. لو كان لدى إسرائيل ما يكفي من بعد النظر حول مستقبل المنطقة لعمدت للمسارعة والمؤازرة بقيام دولة فلسطينية على أسس عادلة ودائمة (أي ليست بدولة مؤقتة، ولا مرحلية، ولا تستأخر الحلول لأمد غير محدد) الأمر الذي لو اتبعته لتجنبت عقودا من المواجهة في المستقبل. كما وأن الواقع العربي يستدعي بالضرورة قيام تلك الدولة. على الرغم مما ذكرناه حول ضرورة الإسراع بقيام دولة فلسطينية فإنه من غير المؤكد بأن هذا الإجراء سيفضي إلى إنهاء حالة النزاع القائم في المنطقة بشكل دائم، لكنه يبقى الحل الوحيد الذي يمكن تحقيقه في الوقت الحاضر. وفي هذا السياق، نتساءل عن حدود الكرامة المنشودة وكيفية تطبيقها على أرض الواقع، حيث نجد أنها في الدول العربية تتمثل بالتقدير والاحترام بالتوازي مع الحاجة للقمة العيش والحرية، الأمر الذي يتطلب إحداث تطور في الثقافة والتركيب السياسي. كما تتطلب أيضا معالجة القضية الفلسطينية وخاصة ما يتعلق منها بالحدود ووضع القدس واللاجئين الفلسطينيين. تلك الأمور التي دأبت إسرائيل على تجنب الإجابة عنها مما جعل البعض من أمثال نصر الله يمارسون الضغوط بغية تحقيق الكرامة وفقا لمفاهيمهم. يقع على عاتق بعض البلدان الكبرى وخاصة الولايات المتحدة مسؤولية تلبية الحاجة إلى إنصاف الشعب الفلسطيني وتحقيق الكرامة العربية وذلك عبر ترسيم لحدود كل من الدولة الإسرائيلية والدولة الفلسطينية ومعالجة قضايا النزاع الجوهرية. الأمر الذي سيفضي إلى وقف التحركات التي نشهدها في الشارع العربي، والتوقف عن النزاع بين إسرائيل والعرب لعدة عقود، ولتعلم الدول الكبرى بأن الخبز والبنية السياسية الجديدة والمشاريع التنموية التي تقام لن تكون البديل عن مطلب حفظ الكرامة والاحترام لجماهير الشعب العربي. كما وأن الشعوب العربية لن تتنازل بأي شكل من الأشكال عن ضمان الكرامة والاحترام والتقدير للشعب الفلسطيني لأنه يستحقها كسائر شعوب الأرض. بقلم: جون بل |
|