|
كل أربعاء وماذا ستفعلين بلعنة كامب ديفيد، ومتى ســوف ترســلين خيول النجدة إلى غزة، وأين تخبئين نـــاصرك الجديد !؟ كل هذه الأســئلة لا تليق الآن بمصر وشــبابها وثوارها، لأنها تأتي من خارج السياق لثورة تمسك بأيدي أبنائها برفق لتطلق أسرهم من ظلام سجون عمرها أكثر من ثلاثين عاماً، ذاقوا فيها أهوالاً من القهر والعذاب الذي لا تشفى جراحه بين يوم وليلة! دعــونا أولاً نلقي التحية على مصر التي تعود إلينا رويداً رويداً كـمـا كـنا نعرفها، ودعونا نســهـم في بلســـمة جراحها النازفة، ونســـأل عن شـــهدائها الذين سقطوا على صدرها في أيام الغضب وهم يرفعون علمها ويهتفون باســمها وينشدون نشيدها، دعونا نتفقد عافيتها وهي تعبر هذا البرزخ بأجنحة شبابها نحو فضاء الحرية، ودعونا نعانق مصر بكل حنيننا القومي، ونسـألها كيف أنت، وماذا فعلت بك الغربة، وماذا ضاع من مفرداتك القديمة، وعلى أي لغة ســـوف نتفق لســـرد الرواية التي طـــالت كتابتها لأكثر من ثلاثين عاماً، دعونا الآن ننتقي أطواق الزهر التي نكلل بها جباه شـــباب مصر الذين خـــرجوا من مجهولها ليصبحوا الآن معلومها الأوضح، والذين جعلوا زمن العرب يمشي على توقيتهم!! هو طــقـــس للمـشاعر ومكنونات الوجدان وغناء الطيور، ولا وقت للأسئلة الكبرى، هو مهرجان الألعاب النارية التي فاض ضوءها في سماء القاهرة في عز الظلام الـدامـس، ليلة الحادي عشر من شباط، وهو طقس اللحظة الفارقة التي تنهمر فيها الدموع من عيون المـصريين في أنقى تعبير عن الفرح، وتعلو ضـحكـاتـهـم في أصدق تعبير عن المرارة، هو لـحظة النكتة المصرية التي اســـتبطنت الجدية الخارقة التي قهرت جبروت ذلك التحـالف الحديدي بين الســلطة وأفاعي رأس المال، وهو لحظة الثقافة المصرية التي اغتنمت سحر التكنولوجيا لتكتب قصة حضارة جديدة، جنودها الطليعيون من الشـباب ومواردها الخام من كل الأعمار، في زمن كدنا نعتقد فيه أن العرب اغتالوا حسهم الحضاري، وخرجوا من التاريخ! مصر اليوم تعيد صياغة الـحبر في أقــــلامنا، ومعنى الكلمات على أوراقنا، وتعيد تشـــكيل وجهــة الأسئلة التي نتلعثم بها، وهي في أول الــــطريق لبناء القاعدة الاســـتراتيجية لــلعـــرب، لا تريد لأحد من أصحاب التجارب الغابرة أن يقرأ على مســـامعها درســــاً في قواعد الخطأ والصواب، ولا تريد لأحد أن يدلها على ألوان قوس قزح مستقبلها، فالمعلوم الذي خرج من رحمـهـــا وفاض بقوة الطوفان فـــي ميادينها وشـوارعها، هو جنين مكتمل يعرف كيف يفرق بين التجربة المسـتوردة أو النمطية، وبين الــتجربة التي تمسكها الهوية الوطنية والقومية من يدها وتقودها نحو المــحطــات الـممتلئة بضجيج النبض الشــعبي على طرق المستقبل، ومصر اليوم مقبلة على العرب بصورتها هذه، فلا ترشقوها بغبار الأسئلة! هل استكملت مصر زينتها بعد ثورة الـــخـامــس والعشرين من كانون الثاني، وهل اعتلت المنصة من جديد لتغني أو تلقي خطابها الثوري، أو ترفع شارة النصر، وهل كنست من حديقتها كل الحشائش اليابسة التي سممت تربتها لأكثر من ثلاثة عقود، وهل استردت لســانها ولغتها وإرادتها وأقفلت الباب على حقبة من التاريخ كادت تنتزعها من أحضان العرب، وتمنع عن العرب هواءها ومذاق الماء في نيلها ؟؟ كل الوقت أمام القاهرة اليوم كي ترتب أبجدية الحلم الذي أطلقته في فضاء العرب، وكل الـوقت أمامها كي تعيد لنيلها الـعـذب زرقته المعهودة، وكل الوقت أمــامنا كي نرقب فصول هذه القيامة البيضاء، دون أن نطرح عليها أسئلتنا الكبرى! |
|