تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


صالح هواري في الاعمال الشعرية: أنا الشاعر المقطوف من حجر الندى.. إذا عطش الينبوع يقصد منهلي

ثقافة
الأربعاء 1-7-2015
ديب علي حسن

هي رحلة العمر محفوفا بحلم العودة على جناح نسر، وان لم يكن فيوما ما على جناح الحلم، الذي حلق به الف الف مرة، عائدا الى فلسطين وجبالاتها، بيارتها، بيادرها، كرومها، الى كل ذرة تراب فيها ومنها، الحلم ليس بعيدا، وان طال الانتظار، فليس ثمة مهرب، ولامفر من انه لابد من صنعاء وان طال السفر.

صالح هواري الشاعر العربي الفلسطيني، وأحد اعمدة الادب الذي انشغل بالهم المقاوم، وما تخلى عنه ولاباعه، يوم باع الاخرون من اجل احلام شخصية، وان كانت مجرد احلام، صالح هواري الشاعر الذي يدنف السبعين من العمر مع الورد المتفتح من عبق اعماله الشعرية، تكرمه وزارة الثقافة السورية والهيئة العامة للكتاب، بإصدار اعماله الشعرية، ضمن مجلدين كبيرين صدرا عن الهيئة، وهي خطوة هامة تحسب للوزارة والهيئة، لاسيما اذا عرفنا ان هذه السلسلة من الاصدارات تشمل ايضا مبدعين اخرين صدرت اعمالهم.‏

واللافت ان الاعمال الشعرية لم تقع في مطب وقع فيه الكثيرون واذ كانوا يدونون عليها انها الاعمال الكاملة وهم مازالوا على قيد الحياة.‏

وبالضرورة كان يجب مثلا ان يقال الاعمال الشعرية، وليس الكاملة، وقد تنبه الشاعر امد الله بعمره الى هذه الحال، وسماها الاعمال الشعرية التي تضم مجمل ما قدمه منذ ان كانت البدايات الشعرية، ونأمل ان تستمر اعماله الابداعية التي تشكل معلما من معالم الابداع العربي وترسخت قيمته الابداعية ذروة من الذرا التي لا تمحوها السنون، بل سوف تزيدها القا وتوهجا وعطاء، لانها من نسغ الابداع الذي انبثق من الارض، ومن اجلها، ومن اجل الحياة بكل ما فيها، من اجل فلسطين التي اهداها ديوانه قائلا:‏

إلى حبيبتي فلسطين موعوداً بالعودة‏

إليها على جناح نسر مقاوم‏

المجلد الاول من الاعمال ضم ثلاث عشرة مجموعة شعرية هي على التوالي: الدم يورق زيتونا 1972\ المطر يبدأ العزف 1977\ الموت على صدر البرتقال 1983\ بطيئا يمر الدخان 1984\ ام احمد لاتبيع مواويلها 1990\ اغاني ايوب الكنعاني 1994\ مرايا الياسمين 1998\ ما قاله الغيم للشجر 2000\ ومن فرح بكينا 2000\ طويت عليك جناحي 2007\ لاتكسري الناي \ فلسطين ياحبيبتي 2014\ قطاف المحار 2014.‏

هذا ما ضمه المجلد الاول الذي يستغرق اكثر من 600 صفحة من القطع الكبير، والجميل ان الشاعر صالح هواري يقدم بيانه الابداعي في مطلع المجلد الاول تحت عنوان، مفتاح الدخول الى الضوء ومن خلاله يختصر رؤيته للابداع وهي رؤية تراكمت على مر تجارب اتت اكلها في عالم الشعر والابداع ويمكن الوقوف عند ملامحها الاول كما حددها الشاعر.‏

مفتاح الدخول الى الضوء‏

تحت هذا العنوان يكتب الشاعر هواري قائلا: بعد رحلة مديدة مع الشعر، تكونت لدي قناعة كافية بان الجمال لايتحقق الا بالبساطة، ولا اعني بذلك صوغ الصور الشعرية من طينة الواقع صوغا فوتوغرافيا، بل اعني المزاوجة بين الفكر والفن عن طريق ادوات تعبيرية مضيئة تحمل القدرة الفنية الفائقة على تشيق الفة الاشياء والنفاذ الى اعماقها كسهم الضوء.بالوضوح ايها الشعراء نحقق الجمال، وبالجمال نوفر الدهشة وبالابهام نعطل لذة الكشف لدى القارىء الذي يتوق لعناق الضوء الذي يلهث وراءه في غابة الحياة المعتمة.‏

ويضيف هواري قائلا: ولا ادعي من خلال تجربتي الشعرية هذه انني لم اجنح نوعا ما الى الغموض والتهويم، في بعض قصائدي، لا لشيء الا لشوق جامح مني للقبض على جمرة الخيال الهاربة ومغازلتها على مقعد صوفي فريد، انه الغموض الشفيف الذي تتراءى المعاني خلف ستائره رافلة في وشاح زاه يبهر القلب قبل العين ويغري القارىء بالبحث عن مفتاح الدخول الى ضوئه، وذلك من خلال غنائية عذبة تصعد بالروح الى نخلة اللامنتهى، غنائية تحمل تفاحتين اثنتين: تفاحة قطفت ايقاعها من شجرة التفعيلة، وتفاحة شربت سلسبيلها من عين سحابة الوجدان الشاردة، فتلاقت التفاحتان تحت ظل القصيدة. ويخلص البيان النقدي الرائع الى نداء يوجهه الشاعر الى زملاء الحرف: ايها الشعراء!!! مدوا اجنحة خيالاتكم ندية عطرة لتكون مظلات تحرك حفيف اشجار الضوء على قلوب العابرين في صحراء الحياة.‏

لاتجمحوا ولاتجنحوا بعيدا ولاتغيبوا عميقا لئلا تقعوا في غيبوبة الغياب فيحجم القارىء عن الدخول الى بستانكم الشائك.. كونوا على ثقة ان نهر الحياة لايكتمل الا باستضافة عائلة الشعر على ضفافه من رمز اللؤلؤي الندى، وصور منسوجة من خيوط المدى الى معنى يرى وراءه ما لايرى وايجاز تسيل بلاغته كالرحيق على شفة نحلة عاشقة.‏

كونوا معي واضحين كبرق الغموض المضرج بدم الشمس الغاربة، كونوا معي لنصوغ من طينة الواقع وردة الخيال المتأجج برذاذ الروح.. انها شمس الحقيقة ولاشمس بعدها.‏

بعد هذا البيان المفتاحي للابحار في الاعمال الشعرية لصالح هواري سيجد القارىء نفسه وقد حمل زادا من المفاهيم النقدية الجميلة التي تطالعه بكل ثنية من ثنايا وعبق المجموعات التي ضمها هذان المجلدان، وعلى سبيل المثال لا الحصر كم يبدو هذا مترعا بالندى، لا بل ان الندى من كروم حروفه يقول هواري في نص عنوانه: قمر الجراح الراعفة:‏

اوصيت مظلوما ليصنع لي قمر‏

فاهتز من غضب وعانق بندقيته‏

وهب يقاتل الاشباح منتقما‏

وحتى الريح حتى النار ينكش جرحها‏

حتى الحجر.. ذاق العذاب المر من الم‏

ولما لم يجد يناصره انتحر..‏

لكنه ترك القمر.. من صدره المثقوب‏

يرعف الف فجر منتظر‏

وهواري شاعر النبوءة الشعرية، الم يقل في قصيدته نحن اشتعلنا:‏

القدس تصرخ تحت امطار اللظى‏

ويل الحيادى التهى عني ومال‏

قعد الكبار فلا رجال بامتي‏

ان الصغار هم الرجال هم الرجال‏

اكرم بمن خبز الرغيف لثورتي‏

ولمن اعار سراجها زيتا زلال‏

نحن اشتعلنا لا حدود لجمرنا‏

موت كريم او يزول الاحتلال‏

تتوزع المجموعات كما اشرنا على مجلدين يقعان في اكثر من الف صفحة من القطع الكبير، صالح هواري قامة شعرية تستحق الاحتفاء بها، كما يحق لنا ان نحتفي دائما بأي عمل ابداعي، او اعمال شعرية تصدر لادائنا ومبدعينا.‏

وهذه العجالة ليست الا اشارات سريعة الى صدور الاعمال الشعرية، ومن حق مبدعنا ان يحتفي النقد به وان تكرس الدراسات النقدية للاضاءة على تجربته الابداعية المتميزة.‏

ولابد من الاشارة الى ان سيرة حياة صالح هواري هي من الغنى الثقافي والابداعي والنضالي ما يجعلها عملا ابداعيا بحد ذاته يضاف الى اعماله الاخرى، التحية لشاعرنا المتألق، والشكر لمن انجز هذه الاعمال.‏

d.hasan09@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية