|
متابعات سياسية فمن منطقتنا التي باتت مسرحاً للخرافة الداعشية أو «الخلافة» المزعومة لتنظيم المدعو أبي بكر البغدادي وإليها ينتقل أصحاب هذا الفكر المتوحش ليعبّروا عن رؤيتهم السوداء لعالم الغد بما تيسر لهم من أدوات القتل والإجرام والتفجير والتخريب، بعد أن جاؤوها «تحت راية التكفير والجاهلية»من أكثر من ثمانين دولة، ترعاهم وتحثّ خطاهم أجهزة استخبارات دولية وتمولهم دول ومؤسسات وجمعيات وتوظفهم وتستثمرهم قوى غربية وجهات إقليمية لم تعد تخفى على أحد وإن تلطى بعضها خلف تحالف عسكري منافق خداع، كان له قصب السبق في تمدد داعش الجغرافي وازدياد قوته العسكرية وتطور أساليب إرهابه وانتهاكه للدماء والمقدسات والحرمات، عدا عن تنكره وعدم اعترافه بكل القوانين والمواثيق والأعراف والقرارات الأممية والإنسانية والشرائع الأرضية والسماوية. فإضافة لما يرتكبه التنظيم وملحقاته وأشباهه في سورية والعراق من جرائم ومجازر فاقت التصور والقدرة على التخيل، استيقظ العالم المصدوم بالأمس على عدد من الجرائم المروعة التي تحمل بصمته ومسؤوليته ـ عبر الأنترنت ـ في الكويت وتونس وفرنسا وقبل ذلك في السعودية واليمن وليبيا ومصر، في رحلة عودته المنتظرة إلى عدد من الدول المتورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في رعاية التنظيم ودعمه وتسهيل مهمته، في حين شددت دول أخرى تدابيرها الأمنية استعدادا للقوادم الداعشية المتوقعة، وكل دولة تعرف بالضبط عدد وهوية المرتزقة الذين جندتهم وأرسلتهم إلى تركيا قاعدة الانطلاق وبوابة العبور الأخيرة إلى سورية والعراق، كما تعرف أرقام كل دولار ويورو أنفقته على هذه المخلوقات الداعشية، باعتراف المسؤولين الغربيين أنفسهم وليس أخرهم الساعية لكرسي الرئاسة في البيت الأبيض هيلاري كلينتون. اليوم وبعد كل ما شاهده العالم وكل ما توفر من أدلة وبراهين قاطعة لم يعد هناك أي مبرر للاختباء خلف الإصبع والتذرع بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان للتنصل من المسؤولية، بعد أن كشف التنظيم عن أهدافه الحقيقية وأعلن صراحة خريطة ومساحة استهدافاته الإرهابية التي فاقت توقعات المشغلين وأربكت حساباتهم، كما لم يعد للبروباغندا فاقعة الغباء والتي تستخف بعقول الناس حول نشأة التنظيم وبنيته وأصله أي مكان سوى في رؤوس ومخيلة المختلين عقلياً ممن يعملون لحساب قنوات التضليل الخليجية التي لا تخرج عن كونها «أبواق داعشية» بامتياز. فداعش كما القاعدة هو صناعة أميركية بتمويل عربي، وأما الادعاء بأن إيران أو سورية أو العراق متورطة أو لها علاقة بهذا التنظيم فمجرد هراء لا يستحق النقاش أو الرد عليه، فقد ثبت للعالم أجمع أن هذه الدول ومعها المقاومة الوطنية اللبنانية هي التي تواجه الإرهاب الداعشي وتدفع فاتورة الحرب ضد إرهابه من أمنها واستقرارها واقتصادها ومقدراتها ودماء أبنائها، كما ثبت أيضا أنها القادرة على هزيمة داعش وملحقاته وفروعه شرط أن يتوقف الرعاة الدوليون والإقليميون عن دعم الإرهاب وتغطية وتبرير جرائمه المتكررة تحت مسميات زائفة. وإذا كان العالم جاداً في القضاء على هذا الخطر الذي يهدد الجميع، فمن واجبه أن يحترم قرارات مجلس الأمن التي صدرت خلال السنتين الماضيتين بخصوص مواجهة داعش وتجفيف منابع دعمه، وأن يتحمل مسؤولياته في التصدي لهذا الإرهاب العابر للحدود والمهدد للمجتمعات والثقافات والحضارات، وإذا لم يكن باستطاعته خوض حرب عسكرية أو المشاركة فيها، فمن باب أولى أن يتم دعم الدول التي تطوعت وانخرطت مجانا لمواجهة التنظيم ودحره وفي مقدمتها سورية والعراق ولبنان وإيران، ومن ثم لجم تصرفات تركيا التي وضع رئيسها أردوغان كل ثقله خلف التنظيم لإنقاذ مشروعه الاخواني المتهالك، ولا أدل على ذلك من تمدد التنظيم ونشاطه المتزايد في الدول التي فشل فيها تنظيم الإخوان المسلمين في تمرير مشروعه من البوابات التركية المشرعة وما يجري اليوم في الحسكة وعين العرب خير دليل على تورط أردوغان وحزبه وحكومته. من الواضح أن تنظيم داعش يختبر صبر العالم وقدرته على الرد، وإذا تأخر الرد الدولي وطالت المماطلة فعلى العالم أن يتوقع من داعش المزيد من النشاط الإرهابي ليشمل مناطق جديدة، وليس هناك من يستطيع التكهن بمكان وزمن وحجم وطبيعة الهجوم القادم، لأن حاملي هذا الفكر المتوحش يجوبون العالم بحثاً عن أهداف جديدة، وقد برهنت أحداث الأيام الأخيرة أن لا حدود مغلقة أمام أصحابه..؟! |
|