|
معاً على الطريق وجبلة ذُكرت في الكتب التاريخية القديمة.. وقيل إن اسمها جابالا.. لكثرة المياه والآبار، فيها مدرج روماني مصغر عن مدرج بصرى الروماني (الذي تحزّ ذكراه) في الروح. وكان هذا المدرج ملتقى الفرق المسرحية العالمية لأكثر من عام حين أقامته وزارة الثقافة التي كانت ترأسها الأديبة والمثقفة الكبيرة الدكتورة نجاح العطار.. كان المهرجان فرصة للتعرف على موسيقا الشعوب وعلى ثقافتها الموسيقية والفنية. وفرصة لتلاقي أهل المدينة.. الأصدقاء والجيران والفعاليات الثقافية والأدبية. لكن المهرجان توقف لأسباب لا أعرفها.. غير أن جمعية العاديات في جبلة أخذت من المدرج الذي نسميه (بالقلعة) مكاناً لإقامة حفلات غنائية مأجورة، ندوات أدبية وشعرية.. فعادت القلعة إلى الضوء والبهجة والثقافة.. لكن بسبب الحرب اللعينة على البلد توقفت هذه المهرجانات التي كانت متنفساً معرفياً للمدينة البحرية التي تحضن جامع السلطان إبراهيم والسوق القديم الذي يشبه سوق الحميدية... وإلى شرقه الخان.. ثم السرايا الحجرية التي كانت مسرحاً لأحداث روايتي (النعنع البري) وعلى ذكر سرايا جبلة ذات الطراز المعماري القديم.. يوجد تحتها سوق الذهب وهو سوق قديم مسقوف أيضاً ومضاء بواجهات المحلات التي تبيع الذهب والفضة حصراً.. وأمام السرايا ساحة -كانت تبدو كبيرة جداً- عندما كنت تلميذة في مدرسة صلاح الدين الأيوبي.. وهي مدرسة قديمة أيضاً ولها اسم آخر هي مدرسة عز الدين القسّام للبنين تحولت الآن إلى مول عاطل عن التنفيذ.. أما الساحة (عندما كانت كبيرة جداً في نظري _ فقد تجمع فيها أهل البلدة الطيبين وأطفال المدارس.. وحملوا الأعلام والورود لاستقبال الرئيس الخالد حافظ الأسد..كان المشهد مهيباً وعظيماً حكيت لأهل قريتي عنه وعن خطاب الرئيس.. ولن أنسى أبداً صيادي السمك الذين حملوا سمكة ضخمة في الساحة.. يلوحون بها بينما الرئيس حافظ الأسد يعتلي شرفة السرايا ويخاطب الجميع. وجبلة التي كانت.. مدينة هادئة. لها شاطئ صخري نادر وكهوف تصل القلعة بالشاطئ الذي أوصت به منظمات ثقافية وبيئية عالمية للحفاظ على هذا الشاطئ كما هو دون تشويهه بالإسمنت والعمران العشوائي.. لكن للأسف.. بدأ الإسمنت يأكل الشاطئ.. وبدأت المطاعم والمقاهي تلوّثه وتشوّهه وتحوّله إلى حصّالة نقود لبعض المستفيدين، مانعين رؤية الأفق البحري. فتحوّل الشاطئ إلى مكان للزحمة والتلوّث بعد أن كان للمتعة والهدوء وراحة الأعصاب.. وتحوّلت مدينتي البحرية إلى مدينة مشوّهة عمرانياً. مزدحمة.. لا ناظم لها ولا أسلوب. لا بالعمران ولا بالواجهات.. كل فرد يبني على ذوقه ولو كان رديئاً.. لا البلدية تستعمل سلطتها ولا المحافظة تعنيها هذه المظاهر الشاذة. فتحوّلت كل البيوت السكنية الأرضية إلى محلات بشعة.. (تنك وبلوك وحديد) وسُرقت المساحات الفاصلة بيت البنايات وتحوّلت أيضاً إلى محلات تبيع بالمواطن وتشتري.. (وعلى عينك يا تاجر). أما الداخل إلى المدينة فهو كالخارج منها.. لا يعرف كيف يتخلص من العربات والواجهات التي تأكل الأرصفة وتشوّه البلدة التي تحوّلت إلى مخزن خردة وبالة وحاويات وزبالة ترتاح في ظلها القطط السمينة.. للمدينة سجل أبيض في نسبة التعليم العالي . إذ نادراً ما تجد فيها شخصاً أميّاً.. وباعتبارها مدينة بحرية وأيضاً زراعية بامتياز. فهي مدينة خيّرة، منفتحة.. ولكن لماذا كل هذا التشويه في المدينة وفي مداخلها وعلى أطرافها؟!. مَن المسؤول عن مدخلها الشرقي المشوّه بالكراج و(الكولبات ) والبناء المتقدم والمتأخر؟ من سيوقف سرقة الأرصفة، الحدائق والوجائب؟ مَن المسؤول عن المدخل الشمالي الذي يسافر بنا إلى مدينة اللاذقية؟ لماذا لا يكون هناك مظهر مديني حضاري فعلاً... على الأقل لمنع الزحمة والحوادث.. على الأقل.. حتى يستطيع المواطن أن يجد رصيفاً يمشي عليه ليصل إلى بيته. على الأقل.. لتكون جبلة مدينة فعلاً، كما تسمى على الخارطة. أَما آن الأوان لتوسيع طريق (جبلة بانياس) القديم الذي يتآكل بسبب العمران العشوائي للمحلات والدكاكين؟ كأن هذا الطريق لا يخدم مئات القرى ولا يمر عليه عشرات آلاف السيارات في اليوم الواحد؟ على الأقل .. ليقرأ المهتمون ما نكتب.. وليسمعوا ما يوجع المواطن.... تعبنا من الكتابة وتعب المواطنون من الصمت. |
|