|
الملحق الثقافي
وبصرف النظر عن سنوات بقاء كافافيكس في إسطنبول من العام 1880 إلى 1885، فالمعلوم أنه قضى بقية حياته في الإسكندرية حيثُ دمرتها الحرب وعانت من ويلاتها الكثير. وعلى الرغم من صغرها فقد بقيت الإسكندرية المدينة الجميلة الرائعة التي كتبَ عنها كافافيس أكثر من مرة، على وجه التحديد قصيدتهُ المعنونَة «المدينة» والتي تعتبر من أبرز القصائد التي تحدَّثَت عن علاقة الشاعر الأزليَّة مع المكان، المكان هذا العنصر الشعري بامتياز والمحرِّض على فتح العنان لخيال الشاعر. نشر حوالي مائتي قصيدة، واعتبر في السنوات الأخيرة من الشعراء العظماء الشرق-أوسطيين في الوقت المعاصر. يقول كافافيكس في إحدى قصائده: «في هذه الغرفة المظلمة التي أمضي فيها أياماً فارغة/ أتمشَّى جيئةً/ وذهاباً محاولاً العثور على النوافذ/ ستحلُّ راحةٌ عظيمةٌ عندما تنفتحُ نافذةٌ/ لكن ما من نوافذَ ليمكنُ العثور عليها/ أو إنني – على الأقلّ- لا يمكنني العثور عليها/ وربمَّا يكونُ من الأفضل ألا أجدها/ فربمَّا يتكشَّفُ الضوء عن طغيانٍ آخر/ من يدري أيَّةَ أشياء جديدة سيكشفها؟». تعتبر هذه القصيدة من ألمع قصائد الشاعر الإسكندراني كافافيس وتندرج ضمن النصوص المدهشة التي تبقى محور الخلود، الإدهاش الذي هوَ من ضمن الخصائص الجوهرية في كتابة الشعر أو أي جنس أدبي آخر. ربما ليس بدون الموقف السحري لمدينة اليونان القديمة، لا شيء بقي حياً للعرب من الغزاة، الإرثُ العربي الإسكندراني لم يكُن جديراً بالاهتمام في أعمال كافافيس غيرَ أَنَّهُ اهتم بشكلٍ أساسي بالعالم اليوناني لإسكندر العظيم وأتباعهُ. ما هوَ الشيء المفجع في كتابات كافافيس في غياب الشرق-أوسطيين أو الخيال الشرقي؟ كتبَت «مارغريت يورسنر»: «لقد كان معزولاً عن العالم العربي والإسلامي، جانبهُ الشرقي كان حياً ولكن مع فقدٍ للوعي». في قصيدتهِ الشهيرة «في انتظار البرابرة» علَّقَ كافافيس على دور الحكَّام الجدد على سبيل الافتراض: «والآن ماذا سيكونُ مصيرنا بدون البرابرة؟ / هؤلاء الناس كانوا نوعاً من أنواع الحلول». النصّ حياة أخرى نعيشها لحظات القراءة، تغيب المفردات تماماً لتنتج الصورة المعيشة انسجاماً بين الشعور واللاشعور وما يهبهُ النصُّ من قيَمٍ نفسانيَّة. لقد عمل كافافيس لمدة أربع وثلاثين سنة بشكلٍ متقَطِّع كصحفي تارةً وكوسيطٍ تجاري تارةً أُخرى وعمل أيضاً في خدمة السقاية، وعندَ تقاعده تمتع بالموقف المحترم لعائلته. إن كافافيس في الحياة الاجتماعية للإسكندريَّة عاشَ حياةً غير جديرة بالذكر نتيجة الروتين، هذا ما كانَ يروى عنهُ وكما يفصح هو بذاتهِ من خلال قصائدهِ، حيثُ قُطِعَتْ باستراحاتٍ ورحلاتٍ قصيرة إلى أثينا وفرنسا وإنكلترا وإيطاليا. |
|