تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فان غوخ وهيروشيغه في معرض مزدوج في باريس

الملحق الثقافي
12-2-2013م
تأثر فان غوخ «1853- 1890» بالرسام الياباني أوتاغاوا هيروشيغه «1797- 1858»، أحد رموز الرسوم النافرة estampes في إمبراطورية الشمس المشرقة «إلى جانب هاكوساي وأوتامارو وهارونوبو»،

تأثراً دفع برواق البيناكوتيكا بباريس إلى إقامة معرض مزدوج، الأول بعنوان «هيروشيغه: فن السفر»، والثاني بعنوان «فان غوخ : أحلام يابانية»، يضع لوحات التلميذ في مواجهة أعمال أستاذه، ويتواصل حتى بداية شهر آذار القادم.‏

الطريف أن فان غوغ لم يزر اليابان إطلاقاً، ولكنه اكتشف الفن الياباني بعد المعرض العالمي الذي أقيم في عهد نابليون الثالث، حيث دعي الأخ الأصغر لـ»شوغون» ومعه أكثر من عشرة آلاف قطعة وآلاف من اللوحات اليابانية بيعت كلها عقب انتهاء المعرض. وكانت فرصة لإدوار مانيه ودوغا وكلود مونيه وغوستاف مورو للوقوف على خصائص فن لم يألفوه، وكان للتقنية الفريدة في استعمال الرسم المنظوري perspective والتأطير ومقروئية الصور وكذلك التحام الفنانين اليابانيين بالحياة اليومية لمواطنيهم وبالمناظر الطبيعية لبلادهم أثر كبير في نفوس تلك الجماعة التي كانت تحاول التشكل في ما أصبح يعرف بالانطباعية.‏

أما فان غوخ فقد دلّه أخوه تيو إلى رواق زيغفريد بون لبيع اللوحات الفنية، حيث اقتنى منها أعمالاً أقبل على استنساخ بعضها مثل «شجر الخوخ المزهر» و»الجسر تحت المطر»، أو الاستفادة من تقنيتها الفريدة كما هو الحال في لوحته الشهيرة «بورتريه الأب تانغي». وقد بلغ به شغفه بالفن الياباني أن لجأ إلى أرياف مدينة آرل بالجنوب الفرنسي بحثاً عما يذكر بالمشهد الياباني، حيث الضوء والدفء وخضرة المروج وبهجة الأزهار.‏

هناك وجد ضالته حيث كتب لأخيه قائلاً: «معادل اليابان هو جنوب فرنسا Le midi. هنا مستقبل الفن الجديد».‏

هناك صار يحلم باليابان حدّ الوله، ويستحضر أعمال هيروشيغه الذي اهتم برسم مناظر كان يتوقف عندها في محطات ارتحاله وهو ما عرف بفن السفر، متنقلاً من كيوطو إلى إيدو «الاسم القديم لطوكيو»، متوقفاً في تسع وستين محطة تعادل أعماله المعروضة، مروراً بتوكايدو التي خلد محطاتها في ثلاث وخمسين لوحة. هذا بالرغم من أن هيروشيغه نفسه لم يقم بالرحلة الأخيرة، بل استند في رسم أعماله التي تتجلى فيها الثلوج والأمطار والقمر على أكمل وجه إلى خياله الخصب، وكذلك إلى دليل سياحي واسع الانتشار في يابان القرن التاسع عشر.‏

يقول فان غوخ في إحدى رسائله لأخيه تيو: «عندما ندرس الفن الياباني، نرى دون ريب رجلاً حكيماً، فيلسوفاً، ذكياً، يقضي وقته – في ماذا – في دراسة المسافة بين الأرض والقمر؟ كلا. في دراسة فلسفة بسمارك؟ كلا. هو يدرس عشبة وحيدة. ولكن تلك العشبة تجعله يرسم النباتات، فالفصول، فالمناظر الطبيعية، ثم الحيوانات وملامح الإنسان. كذلك يقضي حياته – وهي قصيرة جداً – في إنجاز كل شيء».‏

ويرى بعض النقاد – هاري بيليت مثلا – أن فان غوخ استفاد لا محالة من الفن الياباني من حيث تقنيات التأطير ، وتركيب الألوان بطريقة تنبو عن القماشة، والتوليف الذي يمنح المسافة البعيدة نفس الأهمية التي يمنحها للمسافة القريبة « ألوان السماء على سبيل المثال «، ولكن القول بأنه استنسخ بانتظام أعمال هيروشيغه فيه كثير من المبالغة.‏

إلا أن مارك روسليني، مدير البيناكوتيكا يؤكد أن فان غوخ لم يستوح من الفن الياباني بعامة وهيروشيغه بخاصة بعض أعماله الشهيرة فحسب، تلك التي يعدها النقاد استنساخاً لا جدال فيه، بل إن معظم المناظر التي رسمها بداية من العام 1887 انبنت حول منظومة مرجعية تتمحور بشكل يكاد يكون منتظماً حول آثار الفنان الياباني الشهير.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية