|
ثقافة
فالاديبة عزيزة هارون بدأت تنظم الشعر في صباها بعيدة عن دراستها العليا لصعوبة ظروفها حينئذ، فالواقع التي عاشته كان أهم من دراستها فهو الذي أنضج موهبتها فعشقها الأول كان الشعر الذي عصف بعالمها البسيط جاعلاً منه خليطاً من العاطفية والرومانسية الوجدانية دائماً في سطوره وبينها، هذا كله جعلها تنشر في الصحف قصائدها وأولها كانت جريدة الصباح الدمشقية، هذا الشعر لم يكن جديداً بأن تتلاقاه وسائل الاعلام المقروءة فحسب بل فتح لها المجال للعمل في الاذاعة السورية لفترة لابأس بها من عمرها الفني. فعمرها المبكر في الشعر جعلها في طليعة الشاعرات السوريات وولادته مبكراً جعلته غصناً غضاً تسيل فيه عروق الرومانسية الوجدانية الحزينة وهذا ما تراه واضحاً في قصائدها كقولها: يا لشعري بظله أتفيا من همومي وتنتشي أحزاني سله عني أفجّر اللحن من حبي وأعطي الحياة من حرماني أتلقاه بالضلوع وأهواه بقلبي ولهفتي وحناني شدت منه قصور وهمي أبدعت ولونت في حماه المعاني مجموعة من التناقضات أظلت بظلالها الثقيلة على حياتها لكن هذا الأمر انعكس ايجابياً ليأتي بعناصر خلق وابداع فحرمانها من الإنجاب بالرغم من زيجاتها الثلاث كان الباعث للغناء للأطفال بأناشيد حب وعطف. العاطفة طغت ثم طغت فطغت في حياتها ما جعلها شديدة التأثر بكل ما يدور من حولها فألم الوطن أثر فيها كما هو فرحه.. فأحاسيسها تاهت وضربت في نكبة فلسطين والحرب الاهلية في لبنان، وتهاوت رقيقة عذبة في ثورة الجزائر وحرب تشرين كقولها: تشرينُ .. يا تشرين.. يا لهباً بين الضلوع ينضّرُ العمرا خذني إلى عينيك أغنيةً فلقد أجن وأمنحُ العذرا مذهولة ويدي على كبدي وعلى جبينك قبلةٌ كبرى فبقدر ما كان يحمل شعرها الحنية كان يحمل بين طياته غضباً وثورة على كل متخاذل ومتآمر يسعى لتمزيق وطنها السوري مقابل مصالح وامتيازات، والمقصود هنا هي الدول العربية وانقساماتها فالوطن بالنسبة إليها كالكثر: هو العرض، ولايجوز لأحد أن يمتهن الأرض والوطن كقولها : ما دمنا نأكل من عفن الأرض ما دمنا لا نعرف كيف الرفض سنموت بنار الحقد ونار البغض وقولها: ما قيمة هذا العالم فينا لن نرويه ولن يروينا إن لم نخلقه من دمنا ان لم نبعثه مزدهراً بالحب بهذه الأشعار وغيرها نالت هذه الاديبة مكانتها في الشعر الوطني والقومي على صعيد القطر حيث جاء هذا الشعر مواكباً للثورة العربية الكبرى ومن ثم مواكباً لمرحلة مواجهة الاستعمار الغربي. من هذا كله نستنتج ان شعرها كان ذا وجهين، وجهٌ اتسم باالرومانسية والحب ووجه حفرت فيه تجاعيد المقاومة الوطنية والقومية. نحن اليوم في ذكرى مرور ستة وعشرين عاماً على رحيل الشاعرة السورية عزيزة هارون وكانت نهاية التناقضات في حياتها أن ديوانها الشعري الأول صدر بعد وفاتها بإعداد الشاعرة عفيفة الحصني... ولكن صفحتها لم تطو إلا بعد أن خصت وطنها الصغير سورية بقصائد شعرية أثرتها بعاطفة كالتي كانت تجاه وطنها العربي الكبير، كقولها: وطني أنغم جرسه عذبا... وأرشفهُ نميرا في حبه أرد الشقاء.. وأنهل الدمع المريرا شوك الحياة على الضلوع لظى وأحسبه حريرا ••• غنيت للفجر الطليق سنى وإشراقاً غزيرا ينهل فوق ربوعي للفيحاء.. إيمانا ونورا يسمو برايات الفداء .. ويرسم الوطن الكبيرا |
|