تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بعد قتلهم للبشر.. إرهابيو «جبهة النصرة» يقطعون رأس تمثال المعري

سانا - الثورة
أخبار
الأربعاء 13-2-2013
في دليل على جهلها بعلمه وعتمة العقل لديها وغياب اي فكر تنويري لدى رعاتها وحماتها وعدائها للعلم والعلماء أيا كان انتماؤهم او زمنهم قامت مجموعة ارهابية مسلحة بقطع رأس تمثال للشاعر أبو العلاء المعري في مسقط رأسه في مدينة معرة النعمان في محافظة ادلب.

‏‏

وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.. ان مجموعة مسلحة في مدينة معرة النعمان اقدمت على قطع رأس النصب التذكاري للشاعر والفيلسوف والاديب العربي أبو العلاء المعري الذي ولد في معرة النعمان.‏‏

وقالت الوكالة ان اصابع الاتهام تشير إلى جبهة النصرة المتطرفة بقطع رأس التمثال.‏‏

كما عرضت الوكالة صورا وقالت انه التمثال بعد التعدي عليه وتظهر الصور تمثالا نصفيا بني اللون مقطوع الرأس وعليه اثار طلقات نارية مرميا على الارض إلى جانب قاعدة حجرية مرتفعة.‏‏

وأبو العلاء المعري شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء ربما كان أثر هذه الجملة المنقوشة على التمثال النصفي لشاعر المعرة بليغا على أفراد مجموعة مسلحة تنتمي لجبهة النصرة الارهابية بحيث شوهوها برصاصهم ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بقطع رأس التمثال بحجة أن هذا الشاعر العظيم كان كافرا زنديقا.‏‏

ذاك التمثال النصفي بني اللون القابع في المركز الثقافي بمعرة النعمان الذي حول الان إلى مكتبة يضم بهوها الخارجي ضريح المعري أثار الاعتداء عليه الكثير من ردود الفعل فالدكتور علي القيم معاون وزيرة الثقافة أوضح أن المعري شخصية عالمية بامتياز فمنه أخذ دانتي أفكار الكوميديا الالهية كما استمد منه العالم في العصور الوسطى أصول الفلسفة والفكر والتصوف فهو فيلسوف الشعر والشعراء.‏‏

ولفت القيم إلى أن الانسانية معجبة بشخصية المعري بمختلف تفرعاتها فهو سوري بامتياز ومن قرأ كتبه مثل سقط الزند ورسالة الغفران يدرك أنه كان مؤمنا ويعرف الله مبينا أن تحطيم تمثاله هو اساءة لعطاءات هذا الانسان المجدد الذي سبق عصره بمئات الاعوام.‏‏

يأتي هذا الاعتداء دلالة على جهل جبهة النصرة وانعكاسا لفكرها وعدائها للعلم والعلماء والمفكرين فرغم حجم الخراب الذي سببوه في سورية واستهدافهم للكوادر العلمية والفكرية والادبية والاعلامية في كافة محافظات القطر الا أن ظلامية ارهابييها امتدت إلى تمثال رهين المحبسين وحول ذلك قال الدكتور نزار بني المرجة عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب.. كنت قد تشرفت بزيارة المركز الثقافي العربي في معرة النعمان لمرتين وقرأت الفاتحة على ضريح الشاعر المعري وان هذا الاعتداء على رمز من رموزنا الفكرية يذكرنا بما كانت تقوم به طالبان من تحطيم للتراث التاريخي وهذه المسألة بعيدة عن كل ما له علاقة بموضوع الايمان والاسلام وتدل على نوع الثقافة التي يبشر بها هؤلاء المتشددون والتي تستهدف تاريخنا وتراثنا وأعلامنا وما يريدونه من مستقبل لابنائنا وأحفادنا عدا عما نراه منهم من قتل وتشويه لكل ما هو حضاري وتاريخي وجميل في بلادنا.‏‏

والمعري هو أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان المعري التنوخي.. شاعر ومؤلف عربي كبير لقب نفسه برهين المحبسين المحبس الاول فقد البصر والثاني ملازمته داره واعتزاله الناس.‏‏

دفن المعري في معرة النعمان ثم أقيم حول ضريحه مركزا ثقافيا يرتاده المثقفون والشعراء والادباء من كافة أنحاء الارض ثم أقام اتحاد الكتاب العرب ووزارة الثقافة مهرجانا أدبيا أصبح تقليدا سنويا استقطب على أعوام متتالية عددا كبيرا من أدباء سورية والوطن العربي.‏‏

بدأ أبو العلاء في تلقي العلم على يد أبيه وهو صغير وأول ما بدأ به علوم اللسان والدين وبدأ يقرض الشعر وله احدى عشرة سنة ثم ارتحل إلى حلب ليسمع اللغة والاداب من علمائها تلاميذ ابن خالويه وتجول في عدد من المدن العربية كبغداد وطرابلس يطلب علومها وادابها وكان قوى الذاكرة يحفظ من المرة الاولي وفي فترة صباه قرر الانقطاع عن الدنيا ومفارقة لذائذها فكان يصوم النهار ويقيم الليل ولا يأكل اللحوم والبيض والالبان بل يكتفي بما يخرج من الارض من بقل وفاكهة ويكتفي من الثياب بما يستره من خشنها ومن الفراش بحصير من بردي أو لباد والتزم بقرار عزلته فلم يخرج من داره تسعا وأربعين سنة الا مرة واحدة مكرهاً.‏‏

وكان المعري رغم عزلته ذا صلة حسنة بالناس وكان مع فقره كريما ذا مروءة يعين طلاب الحاجات وينفق على من يقصده من الطلاب يهدي ويهدى اليه ويكرم زائريه ومن مروءته وكرمه أنه لم يقبل من تلميذه الخطيب التبريزي ذهبا كان قد دفعه اليه ثمنا لاقامته عنده لم يرده اليه في حينه حتى لا يؤذي نفسه ويوقعه في مشقة الحرج ولكنه احتفظ له به حتى تجهز قافلا فودعه ورد اليه ما دفع.‏‏

وكان رقيق القلب رحيما عطوفا على الضعفاء حتى شملت رقة قلبه الحيوان فلا يذبح ولا يروع بولده وبيضه وكان وفيا لاصدقائه وأهله وتفيض رسائله إلى أهل بغداد والمعرة والى أخواله بهذا الوفاء ومن أهم خصاله الحياء الذي يكلفه ضروبا من المشقة والأذى.‏‏

من أشهر مؤلفاته النثرية رسالة الغفران التي أملاها ردا على رسالة الاديب الحلبي علي بن منصور بن القارح ومن مؤلفاته أيضا كتاب تضمين الرأي وهو عظات وعبر وحث على تقوى الله يختم كل فصل منها بأية وتاج الحرة وهو خاص بوعظ النساء ومقداره أربعمئة كراسة وسجع الحمائم وهو كتاب في العظة والحث على الزهد أيضا ورسالة الملائكة وغيرها كثير.‏‏

أما ما يتعلق بشعر المعري فهناك من رأى فيه شاعرا فيلسوفا لم يعهد المسلمون في قديمهم وحديثهم ومنهم من صنفه كشاعر كبير دون أن يكون له مذهب فلسفي بل اتجاهات تخل بالمنهج الفلسفي اخلالا واضحا خاصة أنه هو رجل وجدان دقيق الحس عميق الادراك صادق التعبير جريء التعرض للمعاني والخواطر بينما جعله فريق ثالث مع سقراط والقديس أوغسطين والغزالي وتوما الاكويني وشوبنهاور في طبقة واحدة فضلا عمن عده فيلسوفا له نظراته في الفلسفة أو مجددا لاصول الفلسفة أو هو الفيلسوف الاكبر لكن أكثر النقاد يرونه شاعرا انسانيا متأملا في المحل الارفع بين شعراء العربية له مقام فريد لا من حيث أسلوبه وفنه فحسب لكن من حيث روحه ونظرته إلى الحياة والاحياء من حوله.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية