|
شؤون سياسية وبالتالي فقد تحقق حلم الصهاينة الذين حلموا به منذ أواخر القرن التاسع عشر في إقامة وطنٍ قومي لليهود على حساب الفلسطينيين الذين طُردوا من أرضهم وديارهم. لقد انطلقت الاحتفالات الصهيونية لهذا العام من بيت « رئيس الدولة» شمعون بيريز, حيث أسهب المتحدثون في تعداد الإنجازات التي تحققت في الفترة التي انقضت ولكن إلى جانب أولئك المتفاخرين بالإنجازات, هناك عددٌ من الإسرائيلين يرون أنَّ « دولة إسرائيل» بعد/64/ عاماً على تأسيسها أصبحت تقف على منحدرٍ خطرٍ لا يرون لها مستقبلاً ويشككون في وجود ما يضمن لها البقاء. إنجازات لا أحد يستطيع أن ينكر أن إسرائيل منذ قيامها وحتى الآن حققت الكثير من الإنجازات خاصة في ظل استمرار التجزئة العربية والانقسامات في صفوف العرب, وفي ظل الدعم الأميركي المتواصل لها, والذي جاء بعد دعم الدول الاستعمارية مثل بريطانيا وغيرها, وفي مقدمة هذه الإنجازات احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية وأراضٍ عربية أخرى في حرب عام 1967م, ثم عقد اتفاقات صلح مع بعض الدول العربية في مقدمتها اتفاقية كامب ديفيد ثم اتفاق وادي عربة مع الأردن واتفاق أوسلو مع الفلسطينيين هذا إلى جانب تسارع وتيرة التطبيع العربي الرسمي معها من قبل عدة أنظمة عربية مثل قطر وغيرها. محطات الفشل ولكن مقابل ذلك واجه الكيان الصهيوني الفشل في الكثير من المحطات وهنا نستطيع أن نقول إن أول ضربة تلقاها هذا الكيان بعد عربدته لعقود , كانت في حرب تشرين المجيدة عام 1973م, وعندما فوجئ بضربات الجيشين المصري والسوري واختراق خطوطه المحصنة, حيث وصل الجيش السوري إلى مشارف بحيرة طبريا , واخترق الجيش المصري خط بارليف ليصل إلى شرقي قناة السويس وراحت رئيسة وزراء إسرائيل تستغيث وتطلب العون من أميركا وغيرها والتي بادرت بدورها إلى إقامة الجسور الجوية والبحرية لإمداد إسرائيل بالأسلحة والعتاد والمؤن وغير ذلك. بعد ذلك تلقت إسرائيل هزيمة واضحة على يد المقاومة الوطنية في لبنان عندما شنت حربها العدوانية عليه صيف عام /2006/ , إذاً قدرة الردع التي كانت تراهن عليها إسرائيل وتتغنى بها عبر تفوق جيشها قد انتهت إلى غير رجعة. هذا ويمكن أن تضاف إلى قائمة الفشل هذه بعض المحطات الرئيسية الأخرى منها التالي: - بالرغم من معاهدات السلام التي وقعتها إسرائيل مع كل من مصر والأردن وفريق فلسطيني/ أي السلطة الفلسطينية/ وبالرغم من حصول تقارب وتطبيع بينها وبين بعض الدول العربية, مثل قطر وتونس والمغرب, وبالرغم من الانقسام الفلسطيني الحاد بين رام الله وغزة, بالرغم من كل ذلك, اسقط التصور الذي بنى عليه القادة الصهاينة المؤسسون تفاؤلهم , عندما تصوروا أن الكبار يموتون والصغار ينسون , نعم سقط هذا التصور بعد أربعة وستين عاماً, فالكبار لم يموتوا قبل أن يغرسوا في الصغار الإيمان الراسخ بالحق في وطنهم, ويؤكد هؤلاء الصغار بشكل أو بآخر وبمختلف الطرق أنهم أكثر تمسكاً بهذا الحق مما كان عليه الكبار وعلى مستوى الأنظمة العربية التي تنأى بنفسها جانباً عن قضية فلسطين تحت حججٍ أخرى, مُكتفية بالحرص على حقوق الفلسطينيين بالأقوال دون الأفعال, إن لم نقل أنها تتواطأ سراً مع العدو وحلفائه, هذه الأنظمة لا تجرؤ على المضي أكثر في تماديها بمهادنة إسرائيل وإقامة المزيد من التطبيع معها, وبمعنى آخر يمكن القول أو وصف السلام الذي حققته إسرائيل مع فريق من الفلسطينيين ومع بعض الأنظمة العربية بأنه سلام بارد إن صح التعبير كذلك رأينا مؤخراً ما حصل بين إسرائيل ومصر بشأن بيع الغاز لإسرائيل بأثمان بخسة. من جهة أخرى, يمكن أن يدرج في خانة الفشل الإسرائيلي أن إسرائيل تلاقي المزيد من العزلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة والهيئات المنبثقة عنها والتابعة لها بالرغم من /مظلة الأمان/ الأميركية التي تحميها في مجلس الأمن عبر الفيتو الأميركي الجاهز دائماً لتعطيل وإبطال أي قرار إدانة لإسرائيل أو شجب لأعمالها الإجرامية وهكذا عندما تعرض أي مسألة تخص الفلسطينيين في الجمعية العامة يكون التأييد لها ساحقاً أو بالأحرى من قبل الأغلبية , إذ لا يقف مع الكيان الصهيوني إلا الولايات المتحدة وبضع عواصم دول غربية تابعة لها, وحتى داخل الولايات المتحدة هناك أوساط مختلفة وخاصة بين دافعي الضرائب أصبحت ترى في إسرائيل عبئاً على الولايات المتحدة, وتطالب بإعادة النظر بالعلاقة معها. سوء الأوضاع العامة إلى جانب ذلك , فإنّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي داخل إسرائيل لم يعد على ما يُرام, ولدرجة أن هناك من يطالب بتغيير النظام السياسي , كل ذلك يسمح بالقول بأن الكيان الصهيوني أصبح في وضعه الراهن يواجه أزمة عامة تكفي لطرح مسألة وجوده على بساط البحث. ففي مقال نشرته صحيفة «هآرتس» بتاريخ 15/4/2012 يقول الكاتب الإسرائيلي «جدعون ليفي» إن الدولة وقد أصبح عمرها/64/ سنة, لا تزال تواجه الأسئلة نفسها , وكأنها ولدت أمس ولا جواب عليها لا أحد عنده جواب عما سيكون عليه وجه الدولة بعد عشر سنين, بل يوجد من يشكون في مجرد بقائها حتى ذلك الحين, وهذا سؤال لا يثار حول أي دولة أخرى». أما/إبراهام بورغ/ رئيس الكنسيت والقيادي السابق في حزب العمل , فيقول أثناء مقابلة مع مجلة/قضايا إسرائيلية – عرب 48/ : « إن استمرار تعريف إسرائيل دولة يهودية ينطوي على موقف مشحون بامتياز , ومن شأنه أن يؤدي إلى نهايتها, ويستحيل أن يتعايش مع تعريفها بأنها ديمقراطية... يجب أن يصبح الشعب اليهودي ودولته «الإسرائيلية» جزءاًَ عضوياً من الأسرة البشرية , لا مخلوقاً مستقلاً مميزاً ومنفصلاً لاينتمي إلى التاريخ» ويضيف «بورغ» قائلاً في المقابلة نفسها: « بالرغم مما راكم الكيان قوة سمحت له بتحقيق بعض الانتصارات إلا أن السنوات الأخيرة كشفت حدودها ومحدوديتها وأنها وضعت إسرائيل في خانة عدم اليقين إزاء أي مغامرة مستقبلية». شيء آخر وهو أن الكيان مدين بما حققه من تطور للمساعدات الأميركية والتعويضات الألمانية وقد كشفت صحيفة /هآرتس/ في مقال لها بتاريخ 4/2/2010 نقلاً عن مصدر موثوق في الكونغرس أن الولايات المتحدة وحدها قدمت لإسرائيل ما مجموعه /115/ مليار دولار أي ما يزيد على ما حصلت عليه/15/ دولة أوروبية في إطار مشروع /مارشال/ لإعادة إعمار القارة بعد الحرب العالمية الثانية, وقدرت التعويضات الألمانية بأكثر من /80/ مليار دولار. ومن الناحية الاجتماعية فقد لخص الشاعر الإسرائيلي « نتان زاخ» الوضع بقوله: «هذه بلاد لاجئين من ستة أطراف المعمورة جئنا, باسم الصهيوني ... بلاد لاجئين لا شيء يوحدهم ولم يعد لدى الصهيونية ما تقدمه, ولا أعتقد أن هذه الدولة ستصمد». خلاصة إذاً هذه هي أحوال إسرائيل على لسان الإسرائيليين أنفسهم من قادة ومواطنين ,لكن من المؤسف أن العرب لا يستثمرون هذه الظروف, بل نراهم يمدون الجسور معها ويتآمرون على بعضهم بعضاً خاصة منهم دول الخليج العربي التي لا هم لها إلا المحافظة على عروشها وثرواتها والتنكر لكل ما هو عربي وقومي. |
|