تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العداء الأميركي لإيران وملامح المرحلة القادمة..!

شؤون سياسية
الاحد 17/7/2005م
حسن حسن

مرة أخرى: ماذا يحصل بين الجمهورية الإسلامية في إيران والولايات المتحدة?

عن هذا السؤال تجيب مصادر ايرانية متابعة, تبدأ بالعودة إلى التاريخ البعيد لتتوقف بصورة رئيسية عند الحقبة التي بدأت مع انتصار الثورة الاسلامية, وفي هذا المجال تؤكد المصادر أن ( الثورة) لم تكن مبادرة إلى ( العداء) لأميركا, ولا إلى قطع العلاقات معها, بل كانت المبادرة في هذا الإطار أميركية. وتعود بالذاكرة إلى ما تعتبره مسلسلا من المواقف الأميركية ضد الحركة الإسلامية في إيران قبل تسلمها السلطة عام 1979 وبعده حتى أمس قريب, حيث لم تترك الادارات الأميركية المتعاقبة مجالا للشك في أنها تستهدف النظام الجمهوري الاسلامي, سواء تعلق الأمر بدعم ما يهدد وحدة الجمهورية من الداخل أو تعلق بدعم حرب صدام على ايران.. من الخارج.‏‏

وإذ تعترف المصادر الإيرانية المتابعة بأن النهج السياسي الذي التزمته الجمهورية الإسلامية يتعارض ويتناقض مع السياسة الاميركية في محاورها كافة ما يصنف الجمهورية في خانة ( العداء) للسياسة الاميركية وليس لأميركا دولة وشعبا, تعتبر في المقابل أن المواقف الأميركية ضد إيران تجاوزت حدود الخصومة السياسية باتجاه استهداف ايران بلدا ونظاما وشعبا, وباتجاه معاقبة ايران على سياستها, وهذا ما لا يندرج في خانة أي من القوانين والأعراف الدولية, من تجميد الأرصدة الإيرانية إلى التشجيع على الحرب ضدها, وصولا إلى وضع ايران على لائحة ما يسمى ( الإرهاب). وتأخذ المصادر الاعتذار الذي قدمته وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت قبل نحو أربع سنوات عن التدخل الأميركي في مرحلة حكومة مصدق الذي حالفته الحركة الإسلامية, دليلا على رفض واشنطن التعامل مع إيران كبلد مستقبل ورفضها التعامل مع محصلة ما يريده الشعب الايراني.‏‏

والواقع أن نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت الشهر الماضي (حزيران) وأدت إلى فوز محمود أحمدي نجاد بكرسي الرئاسة سوف يفتح المجال واسعا أمام تحليل مضمون ما يجري في إيران بصورة واقعية, ما يؤدي إلى فرض ضرورة التعامل مع تداعياتها في إطار ما يجري في البيئتين الأقليمية والدولية.‏‏

من هنا اختلفت التقديرات وتقاطعت التكهنات وبدت الاستنتاجات الحقيقية متطرفة أحيانا إزاء حدوث فترة من الانقطاع للمشروع الاصلاحي الذي ظهر طوال سنوات الرئيس محمد خاتمي, ومتفائلة في أحيان أخرى, باعتبار أن النتائج تحسم التباين الظاهر في الحكم الايراني, وتجعل مقدرات القرار ومفاصله أيضا في يد نخبة واحدة لديها من التفاهمات ما يتفوق بمراحل على خلافاتها البينية, ومن خلال القراءة المتأنية تتكشف أمامنا ثلاثة تقديرات أساسية لنتائج الانتخابات الرئاسية. الأول, نظر إليها بحسبانها انتكاسة كبيرة للتيار الاصلاحي الذي شهد صعودا لافتا في السنوات الماضية.. وأن المرحلة المقبلة تشي بالانغلاق. وهو ما سوف يعرض القيادة الايرانية لمزيد من الضغوط الخارجية, والثاني, اعتبرها مؤشرا قويا لإعادة الهيبة للجمهورية الاسلامية, وأن التطورات الاقليمية والدولية تفرض التقويم الصحيح لانجازات واخفاقات الثورة, خاصة أن هناك رؤية تعتقد أن اتجاهات الاصلاحيين سوف تقود إلى تفريغ النظام من منطلقاته الأساسية وثوابته المركزية التي يرتكن إليها. مع عدم تغافل أن الاختلافات الفكرية بين التيارين محدودة, على الرغم من وجود أكثر من17 حركة على الجانبين لم تعد رؤاها المختلفة بخافية على كثير من المراقبين. والثالث, يرى أن فوز المحافظين يفضي إلى مضاعفة خطوات الاصلاح السياسي وليس العكس. وأن الصعود الواضح لهم يؤدي إلى الالتقاء عند نقطة محددة مع بعض مشروعات الاصلاح الغربية. لأن.. ايران ادخلت تعديلات كبيرة على خطابها تنطلق من فهم دقيق للأجواء الخارجية والحاجات الداخلية.‏‏

وبما أن المحافظين الجدد في واشنطن لهم اليد العليا, في الوقت الراهن على أقل تقدير. وكنتيجة لذلك, دخلت العلاقات الاميركية- الايرانية في فترة من الاضطراب الشديد, فهل من الممكن أن يصبح الموقف أكثر خطورة? هناك عوامل عديدة ساهمت في هذا المناخ المتدهور.‏‏

أولا, هناك الاتهام الاميركي لإيران بأنها تتدخل في العراق من خلال تقديمها الأموال والمقاتلين للجماعات السياسية المناهضة للاحتلال الاميركي.‏‏

ثانيا المسألة النووية فالولايات المتحدة تربد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإحالة المسألة إلى مجلس الأمن الدولي, وذلك كخطوة أولى نحو فرض العقوبات. وتنبأت ( كونداليزارايس) وزيرة الخارجية الأميركية بأن ايران سوف تواجهها ( قرارات حازمة جدا), وأعلنت أن ( الايرانيين يشكلون مصدر قلق لوقت طويل جدا, وفي ذلك سبب يوجب عزل هذا النظام لسلوكه السيىء.‏‏

الثالث. وثيق الصلة بموقف إسرائيل وأصدقائها في الولايات المتحدة الذين شنوا حملة عنيفة جدا في وسائل الاعلام الأميركية لكي يقولوا ان الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد قد ارتكبوا خطأ فادحا في مهاجمة العراق أولا, وذلك لأن العدو الاكثر أهمية هو إيران, وكان أعضاء جماعات الضغط هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين ضغطوا قبل عامين من الآن باتجاه شن الحرب على العراق ! ويوحي ذلك بأن تحول الموالين لإسرائيل من موضوع العراق إلى موضوع ايران انما هو محاولة منهم لمواجهة الاتهام الذي بدأ المعلقون الاميركيون يعبرون عنه ومفاده أن حرب بوش على العراق كانت بإيحاء وتشجيع من المحافظين الجدد الذين كان دافعهم الحقيقي هو تعزير أمن اسرائيل الاستراتيجي, وعلى الرغم من أن هذا كان واضحا منذ وقت بعيد لكثير من بلدان العالم, فإنه بقي حتى الآونة الأخيرة من المواضيع المحظورة في الجدل الاميركي العلني العام. فإسرائيل يساورها القلق من أن نفوذها ومصداقيتها في الولايات المتحدة ربما تعرضا للضرر بفعل الفوضى في العراق وبالتالي صارت تسعى إلى تحويل بؤرة الاهتمام إلى ايران.‏‏

خلاصة القول: وعلى الرغم من المناخ المتدهور لا يزال الايرانيون يتخذون موقف التحدي. فهم يعلمون أن الولايات المتحدة تتعرض للانهاك من الناحية العسكرية في العراق, وأن العقوبات الاقتصادية غير الفاعلة إلى حد بعيد ربما تكون هي الشيء الوحيد الذي يضطرون إلى الخوف منه.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية