تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بعــــد إقالــــة بولتـــــون.. هـــــل يحـــــل الســـــلام في الشــــرق الأوســـــط؟

دراسات
الأربعاء18-9-2019
ترجمة: ليندا سكوتي

إن ما أقدم عليه الرئيس ترامب من إقالة لمستشار الأمن القومي الثالث جون بولتون يعد خطوة مهمة قد تسهم إلى حد بعيد في إنهاء الحروب الحالية فضلاً عن درء الحروب المستقبلية،

الأمر الذي يجعل منه أكثر قرباً من عقد اتفاقيات السلام وإجراء المحادثات الدبلوماسية مع الجهات المعادية لأميركا ولا سيما إيران، كوريا الشمالية، وطالبان في أفغانستان.‏

اللافت في الأمر أن تنحية بولتون، الذي يعد أحد صقور السياسة الخارجية المؤيدين للتدخل العسكري في كافة أرجاء العالم، قد لاقت استحسان معارضي ترامب وحلفائه على حد سواء، إذ أعرب كثيرون عما يكتنفهم من قلق وتوجس إزاء أجندة بولتون الداعية لخوض الحروب.‏

في إحدى لقاءاتي مع عضو المجلس الاستشاري الدولي في وزارة الخارجية الأميركية جو سيريسيون لم يتورع عن وصف جون بولتون بـ (الكارثة) التي ألمت بالولايات المتحدة، وبالإضافة إلى ذلك، استطرد القول بأن: (إبان تبوء بولتون منصبه ألحق الضرر بالمصالح الأمنية لهذا البلد من خلال تدمير دعائم الأمن النووي، وازدراء تحالف الأمن الدولي بما يحمله من ضرورات للبلاد، والتقليل من شأن الولايات المتحدة وهيبتها).‏

لا شك بأن وجهة نظر بولتون لمكانة الولايات المتحدة ودورها في العالم تختلف عن وجهة نظر ترامب، إذ في الحين الذي أبدى به أغلبية المصوتين الأميركيين رغبة في إحداث انحسار للدور الأميركي في الحروب حول العالم، نجد بولتون يستمر في تحريض إدارة ترامب للتوجه نحو النزاع العسكري منذ أن تبوء موقعه في البيت الأبيض.‏

وبالإضافة إلى تمسك جون بولتون بوجهات نظره المتشددة نجده يمارس أسلوب المناورة في دهاليز السياسة لكونه أمضى مدة طويلة في أروقة واشنطن، وكان لديه القدرة على تسخير منصبه في البيت الأبيض لتقديم أجندة تحد من التسلح والانفتاح على الدبلوماسية بدلاً من التوجه نحو النزاع والمواجهة.‏

لكن يبدو أن أجندته تعارضت مع مصالح ترامب ما أفضى في نهاية المطاف إلى طرده، وقد أخبرني جون وولفسثال الذي سبق وأن شغل منصباً رفيع المستوى في مجلس الأمن القومي أنه من الصعوبة بمكان استذكار أشخاص تسببوا بالمزيد من الأضرار للأمن الأميركي خلال فترة توليهم: (لكن التاريخ سيسجل اسم بولتون باعتباره أحد مستشاري الأمن القومي الأقل فعالية، والشخص الذي دفع بالسياسة الأميركية نحو الإخفاق نتيجة تأييد انتهاج تغيير النظام في العراق، وفتح الباب أمام كوريا الشمالية لامتلاك السلاح النووي)‏

لقد أصبح الصدام بين أهداف الرئيس وبولتون أمراً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض ولا سيما فيما يتعلق بإيران وافغانستان. علما بأن بولتون كان أحد كبار مهندسي الغزو على العراق في عام 2003 إبان ولاية الرئيس جورج بوش، كما أبدى معارضة شديدة للسياسة الخارجية التي نهجها الرئيس أوباما، وفي مقدمتها الاتفاقية النووية التاريخية التي جرى عقدها مع إيران.‏

وبالإضافة إلى ذلك، دأب على الدعوة لاتخاذ إجراء عسكري ضد إيران وتغيير النظام القائم فيها، الأمر الذي يتناقض تماماً مع الأجندة الرافضة للتدخل التي وعد ترامب بتنفيذها خلال حملته الانتخابية للرئاسة الأميركية، ومع تنحية بولتون في الوقت الراهن، فثمة إمكانية لرفع منسوب العلاقات الدبلوماسية بين إيران وأميركا.‏

وفي هذا المقام، قالت تريتا بارسي نائبة المدير التنفيذي في معهد كوينسي: (لتكون إيران على ثقة بأن ترامب جاد بشأن المحادثات معها كان لا بد من إقالة بولتون نتيجة لدوره التخريبي الرئيس في التوجه نحو العمل الدبلوماسي).‏

عشية انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك أواخر الشهر الجاري، ما انفك الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون يبذل جهوداً حثيثة للقيام بدور الوسيط بين واشنطن وطهران، ويبدو بأن لدى ترامب رغبة ملحة للتعاون مع طهران إذ انه أعرب مراراً وتكراراً عن رغبته في لقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني، وفي الحين الذي نجد به أن فرص عقد اجتماع تاريخي بين الرئيسين تكاد تكون ضئيلة للغاية، بيد أن الخطوة الأخيرة التي اتخذها الرئيس ترامب في تنحيته لبولتون تشير إلى أن الرئيس الأميركي جاد فيما يذهب إليه. سيحدد الأسبوعان المقبلان مستقبل العلاقات الأميركية - الإيرانية والسبيل لتجنب نشوب نزاع عسكري كارثي في الشرق الأوسط. وما رأيناه ليس إلا خطوة أولى صغيرة بتقديرنا ستفضي إلى اتخاذ خطوات أخرى أكثر أهمية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية