تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحرب الخاسرة.. شرقاً وغرباً!!

إضاءات
الأحد 17-1-2016
سلوى خليل الأمين

الحروب هي عمليات صراع وجودي من حيث سيطرة القوي على الضعيف، بأسلوب إجرامي همجي، تسقط من خلاله كل القيم الإنسانية وكل مبادئ العدالة والرحمة وكل القوانين الوضعية التي استجدت عبر تطور العصور، بحيث يتم التلاعب بمضامينها التي تراعي حقوق الإنسان، وسيادة الدول واستقلالها وحريتها،

بحجج واهية وفبركات إعلامية تماهت صعدا في الألفية الثالثة مع تطور وسائل التواصل الإعلامي الفضائي والتكنولوجي، الذي جعل العالم قرية كونية صغيرة، لا تحدها خطوط ولا ترسم ضمن خرائط، ولا يستطيع أي قائد أو مسؤول عالمي، مهما بلغت درجة قوته وسيطرة بلده وقطبيتها، منعها من التغلغل والتسرب إلى أذهان الناس، حتى لو كان ذلك بصيغ تتلف الحق وتشوه الحقائق .. وهنا مخاطر هذه الحرب الخفية الجديدة التي بدأت عناوينها بالانتشار.‏

إن الحرب الخفية التي تبث سمومها بين البشر بأشكال مختلفة ومضامين مزورة، غاياتها التمترس في أذهان الناس وتغيير عقائدهم ومعتقداتهم الوطنية وحصرهم ضمن طوائفهم ومذاهبهم وعرقيتهم، حتى من بلغ منهم مراتب المعرفة وأبوابها العلية التي تشكل عند البعض، ممن فرغ عقله من منطق التحليل والاستنتاج، حالة تعصب أعمى البصر والبصيرة يودي بالجميع إلى التهلكة، بل إلى الحروب الخفية التي تستعر مساراتها صعدا على الساحات العربية، المأهولة بالمتلقفين لهذه الإنجازات الأممية الكونية، التي تسعى إلى خراب هذه الأمة العربية وتدمير حضاراتها القديمة والمستحدثة، المعتلية مراتب العلم والمعرفة بإنجازات متفوقة، ضمانا لأمن «إسرائيل»، التي تقف اليوم مزهوة بما أنجز حلفاؤها من عرب وأتراك وأوروبيين وأميركيين من تدمير للبشر والحجر في كل من سورية والعراق واليمن وليبيا ولبنان وحتى من تجزئة وتقسيم في الدول العربية الأخرى الخاضعة لقوى الشر العالمي.‏

في صورة واضحة على كل ما جرى ويجري في منطقتنا العربية منذ حرب العراق واحتلاله التي قامت على معلومات كاذبة مزورة، فبركتها دوائر الشر العالمي، وبثتها عبر وسائل الإعلام المنتشرة عبر العالم، بحيث جعلت معلومة أسلحة الدمار الشامل التي أدين العراق بامتلاكها، شعارا ثابتا من مضامين الحرب الخفية الذي ما زال يكرر لتاريخه، بالرغم من اعتراف السلطة الأميركية بما أقدمت عليه زورا وبهتانا من أجل القضاء على العراق كدولة متينة مترابطة بكل أطيافها وفئاتها ومناطقها.. الأمر نفسه ينطبق حاليا على سورية التي دمروها بحجة الإصلاحات والحرية والديموقراطية، ولبنان المقسم الذي يئن من فراغ كرسي رئاسة الجمهورية وادعاءات الخونة والعملاء، الذين هم أدوات الحرب الخفية الواقفة بالمرصاد لكل حل وطني ولكل من يقاوم العدو الإسرائيلي، وذلك عبر ادعاءات فارغة تملى عليهم من خارج الحدود كي يبقى لبنان على كف عفريت وممرا سالكا لدواعش السلاح والإرهاب وحتى الفكر المغلف بالسيطرة على العقول الواهنة، وهذا ما يحدث أيضا في اليمن وليبيا وغيرها من الدول العربية، التي استبيحت أنظمتها وقوانينها وأمن شعوبها وسيادة أراضيها، والأهداف واضحة والصورة المعممة أكثر وضوحا، ومع هذا نجد أن العديد من هؤلاء الذين يدعون أنهم أهل فكر وثقافة ومحللين سياسيين، ما زالوا أهل غباء وجاهلية عمياء وثمنهم في العمالة رخيص جدا، تسيرهم غرائزهم المذهبية، المطلوب تطييفها وبثها على الناس عبر ألسنتهم المشحوذة لهكذا مواقف مدفوعة الثمن، كما يحدث حاليا في تشكيل وفد المعارضة السورية المنوي تشكيله من أجل الذهاب إلى جنيف،بالرغم من صعوبة الأمر، إذ أنهم لا يملكون السيطرة على الأرض التي يسرح ويمرح عليها الدواعش التكفيرين، بل يملكون فقط منصات معدة سلفا للكلام في كل من تركيا والرياض وهي لا تسمن ولا تغني من جوع لسلطة ظنوها قريبة المنال، وإن اظهروا أحيانا حرصهم على الوطن والمواطن، وهم في الحقيقة متآمرون بل لصوص وطنية يتبرأ منهم،كل صاحب ضمير حر وحي.‏

الأهم والمؤسف أن واحدنا، حين يدخل في نقاش سياسي حول الوضع في سورية أو لبنان أو اليمن، يتخيل أن من يحاوره هو على المستوى المطلوب من العمق المنطقي المطلوب أو من الفكر المتنور وإن حصل الاختلاف في الرأي ببعض أنماط الصراع التي يرتاح إليها البعض ولا يحبذها البعض الآخر، بحيث أن من المطلوب أن تبقى المضامين القومية العربية في مكانها الثابت، مهما تحولت أشكال الصراع ومستجداته الشيطانية، لأن الضمائر الوطنية هي التي يجب أن ترتفع نبضاتها في وجه المعايير المهلكة والمدمرة القائمة على زرع الشقاق بين الأشقاء وتدمير الأوطان وضخ كل معايير التطرف والتعصب بين أبناء الوطن الواحد والهدف واضح وصريح.‏

أقول هذا الكلام عطفا على ما سمعته من بعض الناس الذين كنت أظن أن العقل عندهم يغلب مشاعرهم المذهبية المتطيفة، خصوصا ونحن نتطرق في الحديث لما يجري في سورية ولبنان على حد سواء. فمحدثي كان مصرا على أن من قتل ودمر سورية وشعبها وجوع أهل مضايا هو الرئيس بشار الأسد وغيرها وغيرها من اتهامات حفظها جيدا من وسائل الإعلام التي روجت ما حفظه عن ظهر قلب، والذي يسوق عبرألسنة كل خائن وعميل، هنا سألته : لو تعرض وطنك لما تعرضت له سورية من مؤامرة خبيثة ومجرمة، ما الذي تطلبه كإنسان متعلم ومثقف ومتنور ووطني من رئيس دولتك وجيش بلادك ؟ أجاب بعفوية من لم يعرف أبعاد سؤالي : حتما واجبهم الدفاع عن الوطن والشعب وإلا لماذا نسلح هذا الجيش، أليس هو درع الوطن !.. قلت له : أنت بلسانك دافعت عن موقف الرئيس بشار الأسد وعن موقف الجيش العربي السوري أمام ما أصاب سورية من مؤامرة، تعاضد فيها الجميع،القريب والصديق والغريب والبعيد والصهيوني وكل من يمكن لنا أن نضعه في خانة الخيانة والعمالة والتنكر للعروبة ولقضية فلسطين وسورية وقائدها المقاوم الواقف لإسرائيل وقفة أسد جسور، وعربي مقاوم ومؤمن بأن فلسطين ستبقى البوصلة مهما اشتد عليه الحصار وتعددت المؤامرات ..‏

أصاب الصمت محدثي، وتشعب الحوار وانتهى إلى سلام لم أقتنع بحيثياته، لأنني اعتبرت أنه يسايرني في قناعاتي، علما أنني لست ممن يؤله الأشخاص، وأن ما أؤمن به هو أن الإنسان مهما علا شأوه أو شأنه هو ابن القدر المكتوب من رب العباد، أما الوطن فهو الباقي، وهو الذي علينا أن نحرص عليه ونصونه بأشفار العيون، وأن نرفعه على مهود العقل والقلوب، وأن لا يغرنا ما يصدر إلينا من فبركات إعلامية معولمة غاياتها تدجين شعوب هذه المنطقة، وسلب قناعاتهم القومية العربية، وجعلهم أدوات ببغائية منفذة، تعمل وتلهو وتفرح بما بين أيديها من خزعبلات شيطانية تبثها وسائل التواصل الحديثة والمتطورة، بهدف حجب مشهديات الظلم والقهر وحالات الاستعباد، والسطو على ثروات العرب، وقدراتهم البشرية وعقول أبنائهم المبدعة والخلاقة.‏

حالة أخرى صادفتها وأنا خارجة من بلد عربي شقيق، وهي قصة امرأة فلسطينية حزينة لمرض أمها المهجرة من مخيم اليرموك في سورية إلى عين الحلوة في لبنان، لقد أخبرتني تلك المرأة وهي فلسطينية أن الدولة العربية التي تقيم فيها مع زوجها وأولادها لم تسمح لها باستضافة والدتها المريضة عندها، بحجة أنها فلسطينية، يعني أن من الممكن ألا تعود لمكان سكنها السابق، لهذا هي مضطرة أن تورها كل فترة في لبنان، كانت تحدثني والدموع في عينيها واللوعة والقرف على محياها من قادة عرب ضيعوا وطنها والان يستحلون قلقها على والدتها، وكل ذنبها أنها مواطنة فلسطينية. بعد حديث طويل ومؤلم عن معاناتها، قالت لي : سورية حملتنا في أصعب الظروف، نحن كفلسطينيين نعتبر سورية البلد العربي الذي حضننا وأحسن وفادتنا وأعلى كراماتنا، فالفلسطيني عندهم يتلقى العلم في كل المدارس والجامعات كالسوري تماما، ومن ثم له الحظ بالوظائف كالسوري تماما، أما هنا فنحن في حصار دائم نعيش القلق والخوف من مصير مظلم نخشاه وننتظره، وأنهت حديثها بدمعة انسالت على وجهها البريء، أفصحت من خلالها عن الكثير مما في قلبها.. وجعلتني ألعن هذه الحروب الخاسرة.. شرقاً وغرباً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية