|
خبــــــــرة عمـــــــــل سلباً وايجاباً مع مؤسسات التنشئة الاجتماعية من الأسرة أو المدرسة أو وسائل الاعلام، فان ثمة ظروفاً متنوعة ساهمت في كشف وتشخيص هذه المرحلة من وجود الفرد.
إن معظم الدراسات ، إن لم نقل كلها ، التي تناولت عملية التنشئة الاجتماعية للفرد المراهق ضمن التراكيب الاجتماعية، تجاهلت - بقصد او بغير قصد - مسألة التأريخ لتشخيص المراهقة انطلاقا من التغير النوعي الذي عرفته الحياة الاقتصادية في المجتمعات الغربية اولا وفي المجتمعات التقليدية تاليا. إن التطور المتسارع للقطاع الصناعي منذ قرابة قرنين في المجتمعات الغربية، وتعقد عالم العمل وتنويعه، ثم تلقائيا ابعاد الاطفال بصفة تدريجية عن سوق العمل، بدافع حمايتهم من الاستغلال من ناحية، وضعف تكوينهم العلمي من ناحية ثانية، هذا الابعاد ادى الى إطالة عمر التعلم والتكوين لدى الاطفال، مما عمق من بعدهم عن حياة الناضجين، واطال تبعيتهم العاطفية والاقتصادية الخاصة بسن الطفولة، وبصورة اخرى إطالة فترة البطالة للشباب المراهق. اما في المجتمعات التقليدية فبدأ الأمر مختلفا، اذ تقلصت المسافة العمرية بين سن الطفولة وسن الرشد، من خلال ادماج مبكر للاطفال في الحياة الاقتصادية والنشاط الاجتماعي، مما يؤدي الى ضمر سن المراهقة بكل خصائصها. وهذا مايشكل مساحة معقولة، ومدخلا متاحا لتكثيف دور الآباء والمعلمين، لأن إقصاء المراهق من حياة الراشدين يجب ان يوازيه عناية اكبر من الناحية النفسية والاجتماعية من اجل سد كل النزعات الطفولية والرغبات الجامحة من طرف المراهقين في محاولة تحقيق شعور الاستقلالية واثبات الوجود الذاتي، ففي هذه الفترة - مرحلة المراهقة - يبحث المراهق عن تجريب عدة ادوار اجتماعية، ولذلك نرانا نحكم على بعض السلوكيات التمردية في هذه السن بأنها سلوكيات طبيعية، فهي تسد حاجة البحث والاكتشاف لدى المراهق. ان سن المراهقة كما هو محدد في واقع حياتنا الاجتماعية المعاصرة، يحيلنا الى فكرة صعوبة تنئشتهم الاجتماعية، لان هشاشة التركيبة النفسية الاجتماعية الخاصة بهذا السن تعتبر تربة خصبة لنمو الانحراف، لانه سيكون بمثابة الوسيلة التي تسمح لهم بالتحرر وعلى الضفة الاخرى، فاننا نجد ان مختلف مصادر التنشئة الاجتماعية: الاسرة - المدرسة - الاصدقاء- وسائل الاعلام- وغيرها عادة ماتقدم للمراهق قيما اجتماعية متناقضة، وغالبا ماتُهمل في تعاملها معه جوانب هامة من ملامح تطور شخصيته،مما يزيد المراهق تأزما وقلقا، ماينعكس بشكل مباشر في الرغبة الجامحة لرفض المعايير الاجتماعية المتعارف عليها. وهذا مايحيلنا إلى سؤال: كيف تقابل مؤسسة الاسرة خصائص هذه السن؟ على اساس أن الاسرة تلعب دوراً جوهرياً في تنمية الاتجاهات المتبادلة بين الوالدين والابناءوفق ثالوث من الروابط في سياق التنشئة وهي: الرعاية - الضبط - الاواصر الاسرية. فعلى الاسرة امتصاص فراغ المراهقين من ابنائها من خلال ممارسة كل اوجه العناية الممكنة والمتاحة، نظرا لنزوع المراهق الطبيعي للتحرر من الضبط الاجتماعي، وعزل كل المناخات الاسرية السلبية، التطرف والاهمال او ممارسة محظورات عديدة او التحول الى مسرح للصراع بين الوالدين، لان كل الدراسات المتعلقة بهذا الشأن تثبت وجود علاقة بين قلة الرعاية الوالدية وضعفها ونزوع الشباب المراهق نحو الإنحراف، كما أثبتت أن العلاقة الحميمية بين المراهقين وابائهم خاصية من شأنها ان تحميهم من الجنوح نحو ممارسات منحرفة. أما مسؤولية المدرسة في التعامل مع جيل المراهقين فيجب ان تتمثل في الحرص على عدم تهميش فئة المراهقين من خلال تمرير قيم وثقافة ليست غريبة عنهم ولابعيدة عن جهازهم النفسي والاجتماعي، اضافة الى ضرورة استيعاب النتائج المتدنية للمراهقين على مستوى التحصيل ومايوافق ذلك من وصم اجتماعي على انهم متدنون. فالمدرسة هي التي تخلق تجارب سعيدة او مؤلمة في حياة المراهقين من خلال اقصائهم عن محفزات الانحراف، والعمل على ارساء قواعد اتصال سليمة راسخة تتيح للشباب المراهق ادراك ذاته على نحو واضح وصريح، مع ادراكنا أن ذلك لايمكن ان يتحقق إلا بتكامل عمل المؤسسات التي تقع على عاتقها مسؤولية متابعة وتيرة وجود قنوات الاتصال الموجودة بين جيل الكبار وجيل الصغار باستمرار وتهيئة الظروف الانسانية المرنة لاحتواء كل نزوع لدى المراهق. ** الاسرة تلعب دوراً جوهرياً في تنمية الاتجاهات المتبادلة بين الوالدين والابناءوفق ثالوث من الروابط في سياق التنشئة وهي: الرعاية - الضبط - الاواصر الاسرية. |
|