|
ثقافـــــــة
بعكس لغة التشكيل ولغة فن الكاريكاتير بعكس لغة الفن التشكيلي قادرة على استقطاب جمهور واسع من مختلف الشرائح والأعمار، لأن هذا النوع من الفن لا يتطلب التخصص والحساسية البصرية العالية التي تتطلبها اللوحة التشكيلية الحديثة من المتلقي. وهذا ليس معناه أبداً أن رسام الكاريكاتير هو في مرتبة ثانية بعد الفنان التشكيلي، بل على العكس يمكن لمن اختبر تقنيات اللون واسرارها، أن يحقق بعض التقدم في مجال صياغة اللوحة الفنية التشكيلية، ولا يمكن على الاطلاق لمن لا يمتلك الموهبة أن يصبح رساماً كاريكاتورياً، لأن فن الكاريكاتور لا ينتجه إلا من أمتلك رشاقة وليونة خط الرسم، أو لمن كان صاحب موهبة حقيقية وصادقة. ورسام الكاريكاتير حين يثير في رسوماته الساخرة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الملحة والمرتبطة بمشاكل الحياة العامة، فهو لا يذهب إلا لغة الإشارات والتأويلات والاجتهادات اللامعقولة، بقدر ما يسعى للكشف عن مشاعر الناس البسطاء، والتعبير عن قلقهم الوجودي وسط هذا الفراغ الروحي المتجلي، في عالم اليوم اللا إنساني، أو في ظل هيمنة القوانين والتقاليد والأعراف المتوارثة منذ قرون، دون تحديث أو تطوير أو تجديد. جرأة نقدية وإذا كانت لغة الفن التشكيلي المعاصر، تحتمل مزيداً من الجرأة التعبيرية الناتجة عن استخدام لمسات اللون التلقائي والعفوي والارتجالي، فإن جرأة رسام الكاريكاتير تكمن في محاولاته الدائمة التصدي لمظاهر الظلم والاستبداد والفساد، والتعبيرعن الذين يلعبون بالكلام أكثر مما يعملون في الحياة، لأن الرسم الكاريكاتيري موجه أصلاً لتسليط الأضواء على سلبيات الواقع، وحين يغضب الفنان من حدث سرعان ما يعبر عن قلقه بالرسم الساخر، الباحث عن فسحة طمأنينة وانفلات من كوابيس القلق اليومي المشرع على كل الاحتمالات. لأنه المدخل لتجليات التعبير عن تداعيات الأحلام الحديثة المتكسرة في خطوات تدمير القدرات الحياتية للإنسان المعاصر. هكذا يبدو فن الكاريكاتير بمثابة صورة بيانية لعلاقة اللوحة بالحياة وبتناقضاتها، التي تضحك وتبكي في آن واحد، فالإنسان يتلمس بهجة الحياة، رغم كل الحروب والأهوال وصيحات الجنون الانساني في كل العصور والأزمنة، حيث لا فواصل ولا حدود هنا بين الحدث الفجائعي، واحتمال اطلاق ضحكة عالية، اذ تشكل الفكاهة في الرسم الكاريكاتيري الساخر استراحة لا بد منها في خطوات الانتقال من لوحة إلى أخرى. تشكيل ساخر وبرغم حدة التباينات والالتباسات القائمة بين الرسم الكاريكاتيري الساخر واللوحة التشكيلية، تبرز على الساحة الفنية المحلية والعربية، تجارب تشكيلية هامة استطاع أصحابها تقديم الحلول المناسبة، بدون فقدان المظهر الساخر، في سياق التعبير التشكيلي التقني الخالص. وتتفاوت طرق التعبير التشكيلي الساخر من فنان إلى آخر، فالبعض يعمل لإظهار حالات الايجاز والاختصار في تجسيد العناصر والأشكال، والبعض الآخر يمتلك القدرة لإظهار أدق درجات الدقة في رسم تفاصيل الاشكال المعبرة عن حدة مفارقات وتناقضات الواقع. وغالباً ما يعتمد الفنان لغة الاختصار بإعادة الخطوط من حالاتها الوجدانية في خطوات الوصول إلى مناخ تعبيري ساخر محوره الرئيسي الإنسان الحامل قسوة الأيام الراهنة. ( facebook.com(adibmakhzoum |
|