|
من داخل الهامش بالتأكيد أنا لا أبحث عن تأصيل لهذا الفن أو ذلك، وربما تجد جذوراً ضاربة في ثقافتنا وإبداعنا للكثير من الفنون، ولكن الدراسات التتبعية في شتى أنحاء العالم تشير الى معطيات جديدة، فما كنا نظن أنه ولد هنا في مكان ما، نقع على مثيل له في مكان اخر من العالم، وربما يكون أكثر قدماًو نضوجاً و تعبيراً و تفاعلاً. من هذا المنطلق أرى أنه ليس من المفيد الادعاء أن هذا الفن أو ذاك قد ولد ونشأ وتطور في حضارة ما دون غيرها، أو أنه سليل ثقافة ما.. الولادة لها إرهاصات بلا حدود، فالشعر الذي عرف به وأنه ديوانهم ربما كانوا هم الأسبق إلى الاحتفاء والمفاخرة به ولكن هذا لا يعني البتة أن الشعوب الآخرى كانت خارج إطار الاحتفاء بالشعر.. وبالعودة الى فن الكاريكاتير أرى أن المساحة الواسعة التي يشغلها تخرجه من إطار الخطوط و الرسم الى عالم أرحب وأوسع من أن يكون محصوراً بذلك، وإذا ما أردنا أن نقف عند المضمون أو المحتوى الذي يريد أن ينقله إلينا نجده يتقاطع مع الفنون الأخرى و يتعانق معها، بل هي تحتفي به و تأخذ منه أدواته وإن كانت حروفاً أو صوراً بيانية. فماذا تقول لمن يروي لك طرفة تدل على مفارقة تجعلك مندهشاً وتحمل إليك مضامين شتى، بمعنى آخر تفاجئك تدهشك، تحرك فيك شيئاً كان ساكناً، راكداً، تباغتك بما تقدمه.. أليس الكاريكاتير يحمل الرسالة ذاتها.. ما معنى أن نجد رسماً كاريكاتورياً دون أن يجعلك مندهشاً، متغيراً، متسائلاً، متوثباً، ليس مجرد خطوط ورسم طفولي في أبجدياته الأولى، بل هو إبراز لمعنى ما، لصفة ما لحالة من مجموعة حالات، وقدرته على حمل الرسالة والادهاش هي التي تعطيه أهمية، من هنا تتداخل أطراف الفنون الأخرى مع هذا الفن، فالهجاء المرّ الذي يجعل شخصاً ما مثار سخرية هو فن كاريكاتوري، هل تتذكرون هجاء الجاحظ لأمه.. أم هجاءه لنفسه أم تتذكرون وصف ابن الرومي للأصلع الذي بدا وكأنه يستعد لصفعة ثانية..؟! في الشعر والرواية و السينما والمسرح و في كل ألوان الفنون موجود وإن كنا نحتفي به خطوطاً على صفحات الجرائد.. وقد غدا جزءاً من هويتها، و هنا لا أجد بداً من أن أتذكر ناجي العلي شهيد الفن، شهيد القضية العادلة، و الكثيرون مرّوا وكانوا حبراً على ورق تهرأ، استطالوا و تضخموا حتى بدوا كأنهم «أزلاء منطيق».. |
|