|
الأفتتاحية وثمة من يجزم بأن الكثير منها سيكون بعدها، وإن بدت أوجه التحريض على شنّ الحروب ومريديها تفقد مخالبها تباعاً، كما تفقد زخمها في أروقة البيت الأبيض. وجاء السجال بين ترامب وبولتون أشبه بفصل ختامي، يسدل الستار على المهاترات التي طبعت العلاقة بين الرئيس وطاقمه الخاص أو القريب منه، حيث إنه بات من الصعب إحصاء عدد الذين أقصاهم في غضون أقل من ثلاث سنوات، ليسجل الرقم القياسي في التغيير الذي لم يسبق لأي إدارة أميركية أن شهدته، والقادم يؤشر إلى أنه لا يزال في جعبة ترامب الكثير منه، قبل أن ينهي ولايته الأولى. في حسابات التغيير من الصعب التعويل على تغيير الأشخاص، لكن في الحالة الأميركية ومع شخص مثل بولتون قد يحدث الفرق، لكنه لن يصل إلى حدود الرهان عليه، ولا حتى التفكير بذلك، وخصوصاً أن الإدارة الأميركية قبل بولتون ومعه، وبالتأكيد من بعده، لم ولن تخفف من حدة عدائيتها، ولا من رغبتها في التصعيد والتفنن في خلق العداوات وافتراض الأعداء إلى حدّ أن العالم أصبح كله في عرف الإدارات الأميركية المتعاقبة عدواً، إلا إذا انصاع للرغبة الأميركية وقَبِل بهيمنتها، ونفّذ ما يخدم أطماعها وعدوانيتها. المعضلة كانت وستبقى في إدارة حوّلت العالم بغربه وشرقه إلى ساحات مواجهة، منها البارد وفيها الساخن، كما أنها تشهد المتفجر والمنزلق والمنفلت، ولم تتردد في استخدام أسوأ ما عرفته البشرية في تاريخها من أدوات ومرتزقة وأجراء حروب، وراهنت عليهم لتحقيق تلك الأطماع، وغياب بولتون عن المشهد السياسي وعن ردهات البيت الأبيض لن يغير شيئا، ولن يعدّل في المقاربة الأميركية، فهناك غيره كثير، وبين جنباتها من هو أكثر عدوانية، وبينهم من تسيطر عليه شهوة الحروب بما يفوق بولتون. فالخلاف لم يكن على تطرّف بولتون، ولا على امتلاكه منسوباً مرتفعاً من الشهوة للحروب، بقدر ما كان على أسلوب وطريقة ترجمة تلك العدوانية، وربما على توقيتها وطريقة إدارتها، وفي أحيان كثيرة على أسلوب التعبير عنها، وإن كان ذلك يعكس في نهاية المطاف فشلاً ذريعاً في خيارات ترامب على المستوى السياسي، كما هو على مستوى الأشخاص، والأهم فشلٌ مدوٍّ في سياسة هذه الإدارة ومقارباتها وأدواتها وتحالفاتها في المنطقة وخارجها، كما هو داخل الإدارة ذاتها وخارجها. مع بولتون ومن دونه يبقى رتم السياسة الأميركية في خطّه المتعرّج.. كان له تأثيره ونفوذه وحضوره وعدوانيته وشهوته للحروب، ورغبته في استثمار فائض القوة والتغوّل، لكنه أصبح من الماضي، بينما الحاضر يظل إدارة أميركية تواجه فشلها وأزماتها واختناقاتها وخلافاتها البينية بالهروب إلى الأمام، وتعد العدّة وتشحذ همتها من أجل مواجهة مفتوحة مع العالم، وما تظهره من اختلاف وخلاف يظل للاستهلاك الإعلامي، الذي يبني ويحلل ويشرح ويسهب في الشرح لبعض الوقت، وما عدا ذلك يظل لغواً وإعادة شرح لتغريدات ترامب، فيما السجال المفتوح بين أركان الإدارة الأميركية يشي ببدء تفكك أكثر المنظومات خطورة، ولو كان لبعض الوقت. a.ka667@yahoo.com |
|