|
ثقافة
حضارتنا.. هذه الخلاصة هي واحدة من الرسائل التي حملها الفيلم الروائي الطويل (دم النخل) إخراج نجدة اسماعيل أنزور وتأليف ديانا كمال الدين, إنتاج المؤسسة العامة للسينما بالتعاون مع مؤسسة نجدة اسماعيل أنزور للإنتاج التلفزيوني والسينمائي.
العنوان العريض للفيلم هو عالم الآثار السوري خالد الأسعد الذي قتل على يد العصابات الإرهابية بينما كان يدافع عن كنوز مدينة تدمر رافضاً المغادرة وكأن هناك حبلاً سرياً يربطه بها فدفع حياته ثمناً لذلك, وجاء حضوره الأبرز عبر ثلاثة محاور, الأول نقل الآثار وترحيلها من تدمر لإنقاذها, والثاني مقولاته التي حملت بين طياتها الكثير من الحكم والحقائق والرؤى, والمحور الثالث استشهاده, ولكنه لم يكن البطل الوحيد في الفيلم, لا بل كانت حكايته أشبه بحصان طروادة, فانطلاقاً منها تم الولوج إلى حكايات أخرى تظهر بسالة الجندي السوري وكيف تعاطى مع الحدث ومقدار البطولات والتضحيات التي قدمها, فكان نموذجاً عن الشجاعة والنبل والأخلاق. يُدهشك الفيلم بما حمل من دلالات وقيم, وتمريره لأفكار مغرقة في عمقها, تضع يدها على الجرح الحقيقي, حيكت بخيوط من دم وألم وعنفوان, وجاءت الرسائل الأمضى على لسان شخصية خالد الأسعد ومنها العبارة التي أشار إلى ورودها في التلمود (يا لسعادة من يرى خراب تدمر), إلا أن بعض أهم تلك المقولات أتى مباشراً على شكل جملة حوارية سريعة، ومن الدلالات التي ضمها الفيلم اللجوء إلى الظلال للتعبير عن جحافل الرومان في بداية الفيلم, تلك الجحافل التي نراها اليوم على شكل داعش, هو التقاطع بين الماضي والحاضر, ولعل الحضور الروحي لشخصية الملكة زنوبيا في المكان فرض سطوته على العديد من الأحداث في سعي لتكريس فكرة الانتماء, هي تلملم الجراح وتمد يد العون عبر مشاهد حملت هامشاً من الواقعية السحرية التي تحوّل فيها الحضور الروحي إلى حضور مادي في عدد من المشاهد. ومن الأفكار التي طرحها الفيلم أيضاً موضوع التسامح والخيانة والوفاء وحب الأرض.. كما ظهر كأن هناك حارسان لتدمر, الملكة زنوبيا وخالد الأسعد, وبدا في المشهد الأخير وكأن روح خالد الأسعد تطوف في المكان, ولعل ما زاد من جرعة التأثير قصائد الشاعر الراحل عمر الفرا التي أضفت جواً من الدفء والحميمية, أما النهايات فجاءت مؤلمة ورغم تحدي الشخصيات الموت في أكثر من مكان ومقارعته بقوة إلا أن دماءهم سقت الأرض بنبل العطاء والتضحية, هي اللحظة التي استشهد فيها خالد الأسعد والجنود الثلاثة, كل منهم في مكان بعيد عن الآخر ولكن وحدّت مصائرهم فيما بينهم. امتلك المخرج رؤيا سعى من خلالها إلى تحقيق مستوى فنياً راقياً وصورة معبرة في العمق, فجاءت كاميرته مقتحمة تارة وراصدة التفاصيل الإنسانية والوجدانية تارة أخرى, تلاحق الوجع وتراقب عن كثب ملتقطة نبض إحساس الروح, حرص على تقديم جرعة تشويقية مقدماً عبرها حكاية تحمل بعدها الانساني والوطني, كما تحمل دلالات يمكن قراءتها على أكثر من مستوى، ملتقطاً تلك التفاصيل التي يحيك من خلالها أحداث تحكي عن حب الأرض, ولعل واحدة من أهم مزايا المخرج نجدة انزور قدرته على تحريض المكنونات الداخلية للممثل ليقدم أفضل ما لديه مظهراً العوالم الداخلية للشخصية معبراً عنها في كل خلجة من خلجاتها، وهذا ما تم ترجمته بإحساس عالٍ من خلال أداء الممثلين, أما الموسيقا التي أبدعها المايسترو رعد خلف فشكلت عاملاً مؤثراً ومحرضاً عمل على تعميق الدلالة والحدث. |
|