تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من هزم ساركوزي ...هولاند أم واشنطن ؟!!!

 بقلم :جيل مونية
عن:Mondialisation.ca
ترجمـــــــــــة
الاثنين 21-5-2012
ترجمة : محمود لحام

أخيراً وضعت الانتخابات الرئاسية الفرنسية أوزارها , وبموجبها انتقل الرئيس الجديد فرانسوا هولاند 51.9% إلى الايليزيه بينما غادر, غير مأسوف عليه ,الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي 48.1% .

نعم لقد انتهت المواجهة بين المعسكرين : اليميني المؤيد للحرب وللتقشف والاشتراكي المؤيد للعدالة الاجتماعية والمساواة بفوز الثاني كما كان متوقعا , ًولكن لماذا فاز هولاند و خسر ساركوزي ؟‏

خلال المناظرة التلفزيونية التي جمعتهما قبل أيام من الجولة الثانية , هاجم هولاند ساركوزي وانتقده على دوره في الحرب على ليبيا , هذا الدور الذي جلب الدمار لليبيا وتسبب بقتل أكثر من مئة الف ليبي باسم تخليص الشعب الليبي من القذافي ,بالمقابل بدا ساركوزي غير مقنع برده وبخاصة مع تعمُُده تجنُُب الحديث في تفاصيل السياسة الخارجية الفرنسية وبأكثر من محور كالدور الفرنسي المتآكل في أوروبا وأي أوروبا يريد , هل أوروبا المستقلة التي رسم أفقها ديغول ؟ أم أوروبا الأطلسية التي يتحكم بمسارها التيار الأطلسي الأميركي؟.‏

قبل 5 سنوات (2007)فاز ساركوزي بالرئاسة فوق سيل من الوعود (التي لم يتحقق منها شيء) واليوم (2012) هو ينهزم تحت سيل من الإخفاقات والفضائح,فمع اقتراب الانتخابات بجولتيها , راح يبحث عن حلول بديلة لتمويل حملته الانتخابية نتيجة اخفاقه بوعوده للشركات النفطية الكبرى بتأمين أسواق بترولية في الشرق الأوسط , بعدفشله بالظفر بحصة من النفط الليبي لأن الأميركيين والبريطانيين فازوا بحصة الأسد منه, فكان الباب الوحيد أمامه هو تسويق وبيع الأسلحة لعدد من الدول الأفريقية ( ليبيا _مالي_ساحل العاج_جنوب السودان وغيرها ) .‏

لقد أساء إلى الديغولية بزعم أنها بليت وشاخت وتخلى عن وعوده الانتخابية وأغرق البلاد في أزمات متلاحقة , فارتفع عدد العاطلين عن العمل في البلاد إلى أكثر من 3 ملايين وبات مئات الآلاف بلا مأوى في ظل سياساته التقشفية الليبرالية المطبقة وانعدم الأمن وعمد إلى تجميد أداء البرلمان و مجلس الشيوخ اللذين يسيطر عليهما الحزب الاشتراكي , أما إذا تحدثنا عن الديون المترتبة على فرنسا فقد تضاعفت خلال فترة رئاسته ( 2007_2012) لتبلغ ( 1.7) تريليون يورو.‏

رغم أن الفرنسيين احتاجوا إلى 5 سنوات ليعرفوا الوجه الحقيقي لساركوزي (الفاشي تجاه الفقراء والأقليات والمهاجرين والمحابي للأغنياء ) , إلا أن تلك المدة القاسية كشفت لهم أفكاره ومعتقداته وحبه للسلطة وتشبثه بها حتى النهاية لدرجة أنه لم يعد يهتم بقضايا الشعب بسبب انهماكه بسباق الرئاسة وسعيه للفوز بولاية جديدة.‏

أبرز ما ميز السياسة الخارجيةالفرنسية في الخمس سنوات الماضية هوالغياب عن الساحة العالمية والتبعية للولايات المتحدة واسرائيل والدوران في فلكهما , وتأييدهما تأييداً أعمى وبذلك خالف ساركوزي كل الأعراف التي انتهجتها السياسات الفرنسية السابقة . (لم ينتقد الاحتلال الأميركي للعراق _ دعمه لمشروع الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا _ وقوفه إلى جانب واشنطن فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب دون تحفظ محولاً فرنسا إلى ذيل للولايات المتحدة مثلما فعل طوني بلير ببريطانيا _دعم الحرب الأميركية على أفغانستان من خلال اشتراك فرنسا في قوات الناتو _تأييده للحروب الاستعمارية خدمة لمصالح أميركا.) . لقد مرَغ سمعة بلاده بالوحل وحولها من دولة صاحبة مواقف عالمياً إلى دولة دمية بيد واشنطن حتى بات الفرنسي يتساءل كما كان يفعل الأميركي من قبل : لماذا يكرهنا العالم؟!!!.‏

بالتأكيد إن الخدمات التي قدمها ساركوزي للولايات المتحدة واسرائيل لا تقدَربثمن , فقد اعتمد سياسة خارجية متشددة معادية لكل من سورية وليبيا تجسدت بالمشاركة بقصف ليبيا (لأن عينه كانت على النفط الليبي الذي استأثرت به واشنطن ولندن لوحدهما) وممارسة الضغوط بأشكال مختلفة على سورية (لأن عينه كانت على الولاية الثانية وعينه الأخرى كانت على رضى اسرائيل), ما دفع العديد من المحللين يشيرون إلى تأثُره بأفكار مستشاره الفرنسي الصهيوني برنارد هنري ليفي المحرض الرئيسي لغزو ليبيا وللتدخل في سورية وإغراقهما بالسلاح.‏

إن حقد ساركوزي على دمشق كونها وقفت بوجه مخططاته ولذلك لم يجد سبيلا ًمع جوقته سوى قرع طبول الحرب في مجلس الأمن والدعوة إلى دعم المعارضة وعندما فشل في دفع الأمم المتحدة إلى تبني مشروع التدخل في سورية وجد نفسه يدخل معمعة الرئاسة مثقلاً بخيبة جديدة ,هنا أدركت واشنطن أن ورقة الجوكر الساركوزية التي بيدها قد احترقت واستُهلكت وأنها في مرحلة الاحتضار السياسي والأخلاقي, وأنه لامناص من التغيير ,فكانت الوثيقة التي نشرها موقعMediaPart الإخباري الفرنسي في هذا التوقيت المتعمد ( قبل أيام من الجولة الثانية ) بمثابة الضربة القاضيةالتي أطاحت بساركوزي نهائياً من الإيليزيه.‏

فقد كشف هذا الموقع وثيقة باللغة العربية وقعها موسى كوسا رئيس الاستخبارات الليبية (1994_2011) يؤكد فيها أن ليبيا تؤيد الحملة الانتخابية لنيكولا ساركوزي 2007 بمبلغ (50) مليون يورو .وفي ذات السياق تشير تقارير بأنه تلقى تحويلاً مالياً ولذات الغرض من ليليان بينتانكور مالكة مؤسسة لوريال والتي تعد من أغنى أثرياء فرنسا .‏

بتأثير كل تلك الفضائح والأزمات ونتيجة أداء سيىء في الحكم, حطم ساركوزي الرقم القياسي في انخفاض شعبيته التي هبطت إلى مستوى غير مسبوق منذ 50 عاماً ,وفي الجولة الثانية صوَت الفرنسيون لهولاند ولكن ليس حباً به , بل لأنهم باتوا يرفضون ساركوزي وسياساته , وحقيقة إن الشعب الفرنسي يريد قائداً وفياً , مخلصاً للأمة ولمواطنيها ,يستمع للجميع ,محاطاً بوزرائه ومستشاريه وليس بأنصاره وأبواقه لأن الفرنسيين يحلمون بفرنسا حرة تأخذ مكانتها كأمة عظيمة لا أن تكون تابعة لأحد‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية