تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العالم الافتراضي.. هل أصبح الوسيلة الأسرع لنشر الإبداع؟ .. النشر الغوغائي بين الفيسبوك وحيط الحمصاني في الرمل الشمالي

ثقافـــــــة
الاثنين 21-5-2012
سجيع قرقماز

في البداية، كلنا دهشنا من قصة (الإنترنت) والنشر الإلكتروني، والمواقع الإلكترونية، ومواقع البحث العالمية ومحركاتها، وكأي جديد ٍ صار لهذه القصة مساحة في حياتنا، لاتلبث أن تضيق أو تتوسع تبعا ً لاهتمامات الشخص، ومستوى ثقافته، والهدف من استخدامه للانترنت.

ويبدو المشهد اليوم، وكأن (الفيسبوك) صار المسيطر الأبرز في هذه الساحة، وصار الحائط أو ما يسمى بالإنكليزية (WALL) هو آخر صيحات النشر الإلكتروني في العالم،وهو المعبر عن حال الناس،فمن يريد أن يكتب قصة فعلى حائطه، أو حائط من يحب، أو يرى أنه مؤهل ٌ للانتشار أكثر، وهكذا مع الشعر والخاطرة، والصورة ولقطة الفيديو، وأخبار أهل البلد..‏

مع اعتبارنا للمواقع المتخصصة الأدبية.‏

هنا تعود بي الذاكرة وقبل - مجلس الشعب الحالي - والصور والكتابات والشعارات التي ملأت الحيطان في مختلف المدن والبلدات، إلى أول حائط ارتبط في ذهني وأنا شاب ٌ في بداية السبعينات،أعيش في حي الرمل الشمالي، وكان (حيط) فعلاً: فقد قام السيد (طالب - حمصاني الحارة) بتنظيف الحائط الفاصل بين دكانه، ودكان (أبو مالك قرقماز- والدي) ودهنه بالأبيض، وكتب عليه:‏

طالب الحمصاني ديّن لطفي الخياط 17 ليرة سورية عدا ً ونقدا ًولم يعدها لطفي حتى تاريخه.‏

يا أهل حارة الرمل الحاضر يعلم الغائب.‏

ترك هذا الإعلان أثرا ً كبيرا ً في الحي، وأجبر الخياط على دفع ذمته كاملة ً وبالسرعة القصوى.‏

إذا ً كان للحائط أثر إعلامي ٌ فعال ٌ يمكن لنا مقارنته بما يقوم به بعض الكتاب والنقاد والمدونون من كتابات ٍ (عالهوا) أو الفضاء، أو ما اصطلح على تسميته بالنشر الإلكتروني ؟ ولا بد من سؤال: هل ما ينشر اليوم هو منظم ً كما فعل الحمصاني، أم أنه غوغائي ٌ فوضوي ٌ يخضع في كل مكان ٍ وكل مرة ٍ إلى شروط وتحذيرات وممنوعات ٍ تختلف من هنا إلى هناك ؟‏

إن النشر الإلكتروني اليوم يعاني من فوضى عارمة في الشكل والمضمون، ومن تعدد الوسائل، من (محركات بحث إلكتروني: ويكيبيديا، غوغل، ياهو، يوتيوب، فور شير..) ومن مواقع موسوعية (الدليل العربي - المكتبة العربية الإلكترونية..) ومن مواقع رسمية للدول والمؤسسات، والوزارات. ومواقع الخاصة بالأدب و العلم والتاريخ، والأديان.‏

إضافة ً إلى مواقع المحطات التلفزيونية والإذاعية والمواقع الإلكترونية خاصة، ومواقع تحميل الكتب والموسوعات والأغاني والصور والأفلام.‏

المشكلة الأكبر هي في ما يسمى بالمدونات، والتي اعتبرت بمثابة الكتب والأعمال الأدبية، حيث تتعدد إلى ما شاء الله، لكنها لا تقدم الفائدة إلا فيما ندر.‏

أما المواقع الاجتماعية الخاصة بالدردشة (شات) من هوتميل، و ياهو، و م س، ن. وغيرها، فهي إلى جانب أنها تقدم خدمة ً اجتماعية ً كبيرة، وخاصة ً في التواصل بين الناس العالم، فإنها تؤدي دوراً سلبياً أحيانا ً كثيرة.‏

من هنا تأتي الحاجة إلى تنظيم عملية النشر من خلال مؤسسات واتحادات وتجمعات كاتحاد المدونين العرب، واتحادات عربية متعددة. ومن خلال الأنظمة والقوانين المرعية في الدساتير والقوانين.‏

وأيضا وضع أسس وضوابط للترخيص والانتشار، مساحة ً وشكلا ً ومضموناً، من أجل تحقيق استفادة أكبر، والعمل على جعل النشر الإلكتروني حالة ً إيجابية ذات فائدة، لا سلبية تزيد من مشاكل المجتمع. وهذا ما يعيدنا إلى مختلف الإنجازات العلمية (من البارود إلى الذرة) وكيف تلعب دوراً مزدوجا ً تبعاً لاستخدامها والذين يستخدمونها وكيفية الاستخدام.‏

مع ذلك أرى أن (حيط) الحمصاني كان أبسط وأوضح ومؤثراً بالنسبة للحارة، أما اليوم فيضيع النشر من الحارة إلى البلد، والوطن، والعالم في فضاء ٍ لا نعلم إلا القليل عنه. ولا يعلم الآخر أيضاً إلا القليل عنا. والجميع يبحث عن (حيط) خاص بحارته في أمريكا، وفي لبنان..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية