|
شؤون سياسية لنعترف أولاً بأن ما جرى خلال الجولتين الماضيتين من التفاوض في جنيف لم يكن صادماً أو مفاجئاً لأحد بقدر ما كان محبطاً للكثيرين، لأن تعثر المفاوضات وانسداد الأفق أمام الحل السياسي يحمل في طياته نذر التصعيد العسكري على الأرض مع ما يعنيه ذلك من قتل وتخريب وارتكاب المزيد من المجازر الإرهابية ضد الأبرياء والمدنيين، كما يشير في الوقت نفسه إلى رغبة الممتعضين والرافضين للحل السياسي بالعودة إلى الميدان لتحسين شروط التفاوض، وعلى هذه الأرضية يمكن تفسير الموقف الأميركي الأخير الذي يدفع باتجاه تسليح المعارضة المسلحة وتشكيلاتها المختلفة من العصابات الإرهابية «المعتدلة» والانتقال إلى «الخطة ب» التي طالب السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد وفد الائتلاف بالانتقال إليها، وإذا كانت الجولة الثانية من التفاوض لم تتمخض عن موعد جديد للعودة إلى جنيف فإن أقل ما يقال عن «خطة فورد» أنها محاولة أميركية جديدة لتحسين وضعها التفاوضي المهتز أمام قوة وصلابة وموضوعية الموقف التفاوضي الذي عبر عنه وفد الجمهورية العربية السورية. فمنذ البداية كان واضحاً أن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن تريد لجنيف أن ينعقد ظناً منها أن بإمكان عصاباتها الإرهابية الوهابية القاعدية تنفيذ الأجندة التخريبية المرسومة والمخطط لها في سورية، وهذا ما ترجم أميركياً عرقلة وتأجيلا ومماطلة في عقد المؤتمر مرة من بعد مرة، حتى وصلت الأمور إلى مرحلة كان احتمال انعقاده فيها أقرب للمستحيل، فالبوارج والقطع البحرية الأميركية كانت تتكدس في شرق المتوسط استعداداً لعدوان وشيك ضد سورية بذريعة استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية، ووقتها جاهر بعض المشاركين بوفد الائتلاف الحالي برفضهم لمؤتمر جنيف جملة وتفصيلا بعد أن توهموا بإمكانية استعارة النموذج الليبي لتطبيقه في الحالة السورية، ولكن المعطيات الميدانية التي فرضها أبطال الجيش العربي السوري بين شهري آب وكانون الثاني الماضيين أجبرت الولايات المتحدة وحلفاءها على القبول بانعقاد جنيف دون أن تجبرهما طبعاً على القبول بمتطلباته واستحقاقاته وعلى رأسها طبعاً وقف العنف ومكافحة الإرهاب وهما المطلبان الأكثر إلحاحاً من قبل السوريين على اختلاف انتماءاتهم.. ولأن الولايات المتحدة تصورت في لحظة ما أن بإمكانها أن تكسب بالسياسة والتفاوض ما خسرته خلال الحرب في سورية كان صعباً على وزير خارجيتها جون كيري ومعاونيه أن يقفوا ذلك الموقف المخزي في افتتاح جنيف حيث تضاعفت خسائر بلادهم السياسية منذ اليوم الأول، لذلك تم الإيعاز إلى ائتلاف الدوحة ليتعنت بما يخص البند الثامن من بيان جنيف والمطالبة بمناقشته قبل البنود الأولى، أي القفز إلى ما يسمى هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحية قبل بند وقف العنف ومكافحة الإرهاب ومعالجة الأوضاع الإنسانية وغيرها من الأمور الملحة، وهذا كان بحد ذاته خروج على بيان جنيف1 وعامل عرقلة وتفجير في وجه الحل السياسي، الأمر الذي رفضه الوفد السوري التزاماً منه بالسعي إلى حل يرضي مواطنيه قبل أن يرضي مصالح واشنطن وحلفائها. من الواضح أن واشنطن ومن معها لا تفكر في مصلحة الشعب السوري وإلا لما كانت أول وأسرع المبادرين لحصاره وفرض العقوبات عليه ولما كانت في مقدمة داعمي ومسلحي التنظيمات الإرهابية التكفيرية التي ترتكب بحقه أبشع الجرائم والمجازر والانتهاكات على امتداد الجغرافيا السورية، هي فقط تريد أن توصل عملائها إلى سدة الحكم في سورية من أجل ضمان مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل، ولا يهمها بعد أو أثناء ذلك إن عانى الشعب السوري من الإرهاب أو دمرت دولته ومؤسساته بأيدي الإرهابيين، وها هي التجربة الليبية خير مثال على ذلك، فبمجرد مساهمتها بقلب نظام الحكم في هذا البلد واستيلاء عملائها عليه وتأمين مصالحها النفطية تركت هذا البلد المدمر ساحة للعنف والإرهاب يتقاتل أبناؤه فيما بينهم كما هو حال الصومال والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان، الأمر الذي يحتم على السوريين فعل كل ما من شأنه إفشال المخططات الأميركية ولا سبيل إلى ذلك إلا بالمصالحة والحوار بين السوريين وإنتاج الصيغة والحل الذي يحقق مصالحهم وتطلعاتهم..!! |
|