|
شؤون سياسية ترى واشنطن بأنه لا بد من احتواء إيران كبديل من العمل العسكري الذي جربته كطريقة لتحقيق الاستقرار في العراق. وبطبيعة الحال فإن مسألة احتواء إيران ليست فكرة جديدة لكن الفوائد التي تتوقعها واشنطن منها جديدة, فمنذ ظهور الجمهورية الإسلامية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران, والإدارات المتعاقبة الجمهورية والديمقراطية تعمل جاهدة لوضع المخططات التي تساعد على احتواء هذه الجمهورية, أمّا بالنسبة لإدارة بوش فإن عملية احتواء إيران تجسد الحل لمشكلات الشرق الأوسط المختلفة. إن إدارة بوش تسعى جاهدة إلى تحويل الأنظار عن المشكلة الرئيسية في الشرق الأوسط ومحاولة تغيير جهة الصراع من الصراع العربي الإسرائيلي- إلى الصراع العربي الإيراني. وبعيداً عن القلق من أن الشرق الأوسط ملتهب حالياً فإن مسؤولي إدارة بوش يبدو أنهم يشعرون أنه في غمرة الفوضى والاضطرابات التي خلفها احتلال العراق, تكمن فرصة غير مسبوقة لإعادة رسم المنطقة وإعداد اتفاقية سايكس بيكو جديدة. هنا تواجه واشنطن مشكلة كبيرة فاستراتيجية بوش للاحتواء غير سليمة ولا يمكن تطبيقها بكفاءة, فالعناصر المطلوبة لإنجاز هذا الاحتواء غير متوافرة ولا وجود لها, في ظل هذه الظروف فإن مراهنة إدارة البيت الأبيض على اصطفاف الدول العربية في مواجهة إيران قليلة وإن حدثت قد تؤدي إلى خلل وإلى مزيد من عدم الاستقرار في أرض قابلة للاشتعال. كثيرة هي المشكلات التي تمثلها إيران بالنسبة للولايات المتحدة, فمحاولة إيران وسعيها لامتلاك التكنولوجيا النووية, ونفوذها المتزايد في العراق ومعارضتها للمشاريع الأميركية الشرق أوسطية وأهم تلك المشكلات تكمن في اعتقاد الرئيس الأميركي جورج بوش بأن إيران لا يمكن أن تكون لاعباً أساسياً في شرق أوسط مستقر, وأن محاولاتها وسلوكياتها لا يمكن تغييرها بالطرق الدبلوماسية المبدعة. وإيران في الحقيقة لا تسعى إلى خلق فوضى لتحقيق مآرب معينة, كما أنها ليست قوة توسعية ذات طموحات جامحة. ولكنها تسعى كي تصبح دولة محورية في منطقتها. وهناك مغالطة تاريخية لدى واشنطن تكمن في اعتبار إيران مثل الاتحاد السوفياتي سابقاً ومحاولة التعاطي معها على طريقة الحرب الباردة. فهي تعمل جاهدة- وخاصة بعد حرب تموز والهجوم الصهيوني الغربي على لبنان والنكسة التي تعرضت لها بفضل انتصار حزب الله- على فك الارتباط بين إيران وحزب الله وسورية. وعملت على زيادة عدد قواتها العاملة والمحتلة للعراق في العام الماضي للوقوف في وجه المد الإيراني الداعم للمقاومة العراقية. من هنا نرى أن جدار واشنطن لاحتواء إيران ليس في الخليج بل هو في العراق الذي يمثل خط المواجهة الأول بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية. لقد فشلت إدارة بوش في تقدير الآراء المختلفة للدول العربية, حيث إن استراتيجية احتواء إيران تفترض تضامناً عربياً عريضاً مع السياسة الخارجية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وهذا ما لم تستطع هذه الإدارة أن تجده في الخليج ولا في غيرها من الدول العربية. وفي ضوء المشاعر المناهضة لأميركا والتي تسود معظم الدول العربية فإنه لا يمكن لأي من دول المنطقة أن تشجع نشر عدد كبير من القوات الأميركية على أراضيها, وذلك على خلفية الممارسات الأميركية على أرض العراق. وما تقوم به قوات الاحتلال من انتهاكات للحرمات والأعراض وما تمارسه على أرض الواقع من مخالفات ونهب وقتل وتدمير وتهجير, وتفتيت في أرض الإسلام. إن اعتماد واشنطن على إحياء ما يسمى (عملية السلام في الشرق الأوسط) ظناً منها أن استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية, واستئناف الدبلوماسية الرامية إلى إجراء مفاوضات عربية إسرائيلية سوف يهدىء الشارع العربي, ويحشد موقفاً عربياً داعماً خلف الإدارة الأميركية ويضع الأساس لجبهة موحدة ضد إيران, لكن هذا الاعتقاد ربما تجاهل الحقيقة الماثلة في أن إسرائيل بممارساتها اليومية داخل الأراضي المحتلة لا يمكن أن تدعم أي تسوية على أرض الواقع كما أن الوضع الفلسطيني القائم حالياً لا يمكن أن يسمح للسلطة الفلسطينية بإنجاز تسوية سلمية مع الكيان الصهيوني وحتى إذا أمكن إطلاق محادثات حول تسوية سلمية مرة أخرى فإن الرأي العام العربي الجماهيري إضافة إلى صانعي هذا الرأي يرون أن التهديد الصهيوني أكبر بكثير من تهديد دولة إسلامية مثل إيران (إن وجد). وفي الحقيقة فإن إيران تحظى اليوم بقوة مهمة في الشرق الأوسط, وتفترض واشنطن أن مقترحاتها حول التسوية السلمية ستعيد توجيه هواجس العرب نحو إيران, ولكن إيران تعتقد أن الجهود الحالية لم ولن تلبي المطالب العربية, وقراءة متأنية للمزاج في المنطقة تكشف أن إيران تقف على أرض أصلب بكثير من الأرض التي تقف عليها واشنطن. إن الوقائع على الأرض أثبتت أن حقائق الشرق الأوسط سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى هزيمة الاستراتيجية الأميركية وإلى هزيمة أوهام الحرب الباردة التي تراود إدارة البيت الأبيض. |
|