|
شؤون سياسية ولكن تصرف (اسرائيل) في العمليات العسكرية, وفي المفاوضات وفي الحملات السياسية التي تشنها ضد جيرانها, يضع القضية في مسار بعيد كل البعد عن مسار الإفراج عن الجندي الأسير. لا نقول هذا من عندنا, بل يقوله الكتاب الإسرائيليون. إنهم يقولون لقرائهم ولكل العالم (إن الهدف ليس تحرير الجندي, أو وقف إطلاق صواريخ القسام, الهدف هو إسقاط حكومة حماس, وأن ينتخب الفلسطينيون قيادة مسؤولة تدخل في مفاوضات مع (اسرائيل). وهم يكتبون أيضاً قائلين إن (اسرائىل) تريد شن حرب استنزاف مستمرة ضد الفلسطينيين وتوحي هذه السياسة بأن (اسرائيل) فقدت أعصابها على مستوى الجنرالات, وعلى مستوى السياسيين, وحتى على مستوى رئيس الوزراء, فإيهود أولمرت نفسه أدلى بتصريح غريب يعكس حالته النفسية قال فيه إنه سيتصرف بطريقة أن (رب البيت قد جن). ووفقاً للقاعدة الإسرائيلية العامة ما لم ينجح في بنت جبيل ومارون الراس, قد ينجح في رفح والمغازي وخان يونس, هل تفكر (اسرائيل) فعلاً في تنفيذ اجتياح عسكري عبر عدوان موسع شبيه بعملية السور الواقي أم أن الأمر لا يعدو توسيع الاجتياحات شبه اليومية التي ينفذها جيش الاحتلال الآن في قطاع غزة مع تصعيد الاغتيال أو القصف الذي تقوم بها الطائرات الإسرائيلية والتي خفت وتيرتها في الفترة الأخيرة لمصلحة الاجتياحات والتوغلات البرية. والاعتقاد السائد حالياً أن إسرائيل لن تتورط في اجتياح قطاع غزة وإعادة احتلاله كاملاً, وذلك لأسباب عدة يمكن إيجازها على النحو التالي: أولاً, الجرح أو المرض اللبناني أو عقدة لبنان باتت تتحكم في التفكير الإسرائيلي تجاه المنطقة عموماً وتجاه الفلسطينيين بوجه خاص, وإذا كان بعض القادة يفكرون في الاستشفاء من مرض لبنان عبر قطاع غزة, فإن ثمة تفكيراً مناقضاً يرى أنه بسبب عقدة لبنان تحديداً يجب ألا تجازف (إسرائيل) بالمغامرة في قطاع غزة حيث إن جيش الاحتلال ليس في حالة تسمح له بشن حرب جديدة. ثانياً, الوضع في قطاع غزة اليوم, يختلف جذرياً عن الوضع في الضفة الغربية في ربيع ,2002 فقطاع غزة كما تدعي (اسرائيل) مسلح من رأسه حتى أخمص قدميه وعمليات تهريب الأسلحة لا تكاد تتوقف وقراءة واستخلاص العبر من تجربة حزب الله هي في أوجها, وبديهي أن هذه المعطيات ستراكم من العراقيل والصعوبات أمام جيش الاحتلال إضافة إلى المعوقات والصعوبات التقليدية الأخرى مثل الاكتظاظ السكاني في القطاع واستحالة تنفيذ عملية عسكرية كبيرة من دون وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين الفلسطينيين, ومن دون وقوع خسائر مادية ومعنوية ونفسية مهمة في صفوف جيش الاحتلال لا يبدو هذا الأخير قادراً على تحملها خصوصاً بعد تجربة حرب لبنان الأخيرة. ثالثاً, يتحدث القادة العسكريون الإسرائيليون عن هدفين رئيسيين لاجتياح غزة في حال حدوثه- وهما وقف إطلاق الصواريخ ضد المستوطنات والمدن الإسرائيلية, ووقف تهريب الأسلحة إلى القطاع عبر الحدود المصرية الفلسطينية, وهنا يجب تذكر واستلهام التجربة الإسرائيلية السابقة في قطاع غزة, حيث عجزت (اسرائيل) عندما كانت محتلة ومسيطرة على القطاع-قبل إعادة الانتشار من هناك في أيلول 2005 عن وقف إطلاق الصواريخ وتهريب الأسلحة وطالما صدرت تصريحات عن ساسة وعسكريين اسرائيليين مفادها أنه ليس من حل عسكري للأزمة في القطاع وخصوصاً أن جيش الاحتلال قد جرب كل الوسائل في مواجهة المقاومة الفلسطينية, وكانت النتيجة رغم الخسائر الفلسطينية البشرية الكبيرة فشلاً ذريعاً في التأثير على ما يوصف اسرائيلياً بالبنى التحتية للمقاومة. رابعاً, لا يجب استعمال العامل أو البعد التقني من التصريحات الإسرائيلية الأخيرة الهادفة إلى رفع معنويات الجمهور الإسرائيلي المنهارة بعد حرب لبنان وطمأنتهم إلى أن ثمة حلولاً للمشكلات الأمنية التي يسببها القطاع للجيش كما للمستوطنات المحيطة به, كما تأتي التصريحات أيضاً في سياق إبداء أو إثبات النزعة القيادية والسلطوية من قبل الثلاثي الحاكم حالياً- اولمرت, باراك, اشكينازي- ولاسيما بعد صدور تقرير فينوغراد الذي أشار بالبنان إلى الاخفاقات في حرب لبنان, وتوجيه الاتهام بالقصور والعجز عن إدارة الحرب والتصدي للمخاطر الناجمة عنها كما ينبغي. خامساً, وفي السياق النفسي والإعلامي أيضاً يمكن إدراج الصخب الإعلامي الإسرائيلي عن معركة القطاع القادمة في سياق توجيه الرسائل إلى الفلسطينيين بضرورة ضبط الأوضاع في القطاع, وأن (إسرائيل) ستتولى العمل بنفسها, كما أن مصر مستهدفة أيضاً على اعتبار أنها متهمة بتسهيل وصول الأسلحة للقطاع أو على الأقل عدم القيام بكل ما ينبغي دون ذلك, وكأن (إسرائيل) تطالب مصر بما عجز جيش الاحتلال عن تحقيقه عندما كان محتلاً للقطاع أي منع المقاومة الفلسطينية من التسلح ولو بالحد الأدنى من العتاد الضروري واللازم للتصدي والمواجهة مع جيش الاحتلال. سادساً, يحمل اجتياح القطاع في طياته مخاطر كبيرة تتمثل في احتمال انهيار السلطة الفلسطينية بالكامل, وذلك في حالة إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل أو غرق جيش الاحتلال في الوحل الغزاوي وصعوبة الخروج من هناك في أقصر مدى زمني ممكن, وهذا الخيار أي انهيار السلطة يبدو على الأقل حتى الآن مخيفاً ومرعباً لدول عربية وإقليمية مهمة كما للولايات المتحدة الأميركية وحتى (لإسرائيل) نفسها التي لم تبلور موقفاً محدداً من هذا الأمر علماً أنها تتصرف وكأن السلطة الفلسطينية ما زالت ضرورة للاستقرار الإقليمي وللسياسات والمصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة. وهكذا لا تقود السياسات المجنونة التي تنطلق من واشنطن, وتمر عبر (اسرائيل) وتضرب في فلسطين, وتهدد المنطقة العربية, إلا إلى نتائج مجنونة, تستطيع أن تدمر, ولكنها لا تستطيع أن تحل أي مشكلة, ولو حتى مشكلة الجندي الأسير. |
|