|
آراء
في العالم اليوم, كما نعلم ستة آلاف وثمانمئة لغة مختلفة في أنحاء العالم كافة , وذلك حسب تقرير في هذا الصدد أصدرته منظمة اليونسكو مؤخراً, ولكل من هذه اللغات علاقة بتراث البيئة التي نشأت فيها من الناحية الحضارية . وهذا التراث ينعكس عادة على صعيد التفاعل مع الآخرين ومسنده في ذلك الثقافة , ذلك لأن الثقافة واللغة أمران يتلازمان تلقائياً, ومن هنا فإن الحفاظ على الثقافات , يرتب واجباً رديفاً هو واجب الحفاظ على اللغات. ومعروف لدينا, في سورية , أن التنبه لهذه المعادلة , معادلة التلازم بين الثقافة واللغة, تكرر أكثر من مرة , منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي, يوم دعا القائد الخالد الرئيس حافظ الأسد لاعتماد اللغة العربية في مراحل التعليم كافة , وصولاً إلى ما تردد على لسان السيد الرئيس بشار الأسد في هذا السياق , في خطاب القسم وما تلاه من خطابات وأحاديث ما زالت أصداؤها تتردد في أسماعنا, محذرة من مخاطر إهمال اللغة الأم مع الحرص , في الوقت نفسه, على تحصين الثقافة عموماً بتعلم اللغات الحية الأخرى, بحكم التفاعل مع الثقافات الأجنبية المتلازمة مع متطلبات التطور والمتغيرات التي حدثت في عالم اليوم. في عالم اليوم, بات الحرص على اللغة الأم , لدينا كما لدى بقية الشعوب هاجساً وطنياً بكل ماتعنيه الكلمة, ذلك لأن غياب لغة من اللغات عن الحضور تغيب معها ثقافة معينة. وبالتالي تكون الخسارة مضاعفة , لأن تراث مجتمع من المجتمعات , مهما كان حجمها أو رقعة اتساعها على الخارطة الجغرافية , يرتبط بشكل مباشر باللغة الأم لهذا المجتمع أو ذاك, ومن هنا يأتي تخوف منظمة اليونسكو, بين الحين والآخر, من خطر انحسار إحدى اللغات الأم في العالم , كي لاتخسر البشرية معالم حضارة كانت زاهية في يوم من الأيام, على غرار اللغة الآرامية , كمثل على هذا القول, إذ سارعت سورية لاحتضانها بإحداث معهد لتدريس اللغة الآرامية وهي كما نعلم, لغة السيد المسيح , والمعهد الحالي لدينا هو الأول والفريد في العالم. في تقرير لمنظمة اليونسكو أنه إذا استمر تجاهل هذا الأمر, وبدأت اللغات الأم تتراجع وتتخلى عن مواقعها الحالية, فإنها ستمنى بخسارة مؤكدة. يقول التقرير إنه في حالة الانحسار, وبعد مائتي عام على أبعد تقدير, لن يبقى سوى ثلاثمائة لغة من أصل الستة آلاف وثمانمائة لغة الموجودة في وقتنا الراهن, وبمعنى آخر ستخسر البشرية كمّاً كبيراً جداً من التراث الذي هو رصيد البشرية عبر الثقافات المتعددة في العالم. ومن هنا حرص المنظمة, ومن يتفاعل مع أهدافها, على حماية لا اللغة الأم فقط بل حتى اللغات الأخرى, سواء كانت رديف ثقافة هذا الشعب أو ذاك أو لم تكن, لأن الصلة المباشرة بين ثقافات الشعوب, وإن لم تكن مرئية, يبقى لها دورها وأثرها في العمق,من حيث تفاعل بعضها مع البعض الآخر, بغض النظر عن البعد المكاني, أو كمّ التراث في الحقل الثقافي المتنوع مع مرور الزمن. ولعلنا لانثقل على ذاكرة القارىء بإعادة القول إن الحفاظ على ثقافتنا العربية يتطلب منا الحفاظ , بالدرجة الأولى, على لغتنا العربية, لغتنا الجميلة الرائعة التي تحمي هويتنا الحضارية, وتصون تراثنا الثقافي, في مواجهة هذا الكمّ الهائل من المفاهيم التي تحمله العولمة على أكتافها وتجوب به في أرجاء العالم مبشرة بعالم جديد!! Dr-louka@ maktoob.com |
|