تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


السيادة المخترقة .. دائماً وأبداً!!

إضاءات
الأحد 6-12-2015
سلوى خليل الأمين

ما يؤسف له ونحن نتابع تصريحات وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية هذا التذبذب في القول والفعل الدائمين ، فالسلطة الأميركية تتخذ قراراتها المطولة التي يمتد أوان تنفيذها لسنوات وسنوات ، ومن ثم تعمد إلى مقارعة الحلفاء والخصوم على حد سواء،

والنتيجة واحدة ، وهي تقديم مصالحهم فوق كل اعتبار آخر ، لأن مصالح الشعب الأميركي هي العليا، حين ترسم خرائطهم وتوقع قراراتهم ، وبما أن العالم مليء بالثروات النفطية والمعدنية وحتى البشرية ، فالغاية تبرر الوسيلة، لهذا فالمطلوب دائما تهديد الحكام ومن خلفهم أتباعهم الذين هم أدوات الخراب والتدمير والعمالة المذلة.‏

من هنا يتبين للمراقبين من المواطنين المدركين والواعين أن المسألة ليست حرية وسيادة واستقلال بقدر ما هي عملية مصالح مشتركة ، خصوصا حين ينقلب العداء إلى ود ظاهر، أو حين يتم اللف والدوران حول الشخص الحاكم الذي يلبي المطالب المدروسة والمكتوبة بدقة متناهية.‏

هذا الفعل الأميركي المستدام هو ما أنتج حربا ضروس، ما زالت سورية تعاني منها الأمرين ، وهذا ما نعانيه حاليا في لبنان من خلال المستجدات التي طرأت على عملية اختيار رئيسا للجمهورية المعطلة منذ ثمانية عشر شهرا وأكثر. فحين ينادي الرئيس الأميركي باراك أوباما برحيل السيد الرئيس بشار الأسد واختزال إرادة الشعب السوري بقرارات البيت الأبيض ، التي حدت إلى تصريح وزير خارجيته جون كيري بأن دعوة الحكومة السورية والمعارضة التي يصنعونها إلى مواجهة داعش دون رحيل الأسد ، يوحي دون أدنى شك بدكتاتورية أميركية مطلقة، تختزل سيادة الشعوب على أوطانهم وإن تماهت الشعارات الرنانة صعدا عبر وسائل الإعلام المرتهنة لسياسات الحلف الأميركي الصهيوني الواضحة.‏

ما يجري اليوم في لبنان شبيه بما يحدث في سورية لجهة رئاسة الجمهورية ، حيث فجأة طرح اسم النائب سليمان فرنجية للرئاسة وهو الحليف المتين لسورية وحزب الله والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه الجنرال ميشال عون ..‏

الشعب اللبناني برمته يعرف حدة الخلاف بين من يطرح وبين من تم ترشيحه ، بحيث أن الاثنان على خطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا، فكيف بليلة ليلاء تمت فبركة القرار وانتشاره عالميا ومحليا، وبات من المسلمات؟ في الوقت الذي قال فيه سماحة السيد حسن نصرالله كلمته الوعد والعهد : مرشحنا أول حرف من اسمه ميشال عون؟ هذا الكلام لا يمكن أن يدخل دائرة التجاذبات والمزايدات والرهانات خصوصا أن شرفاء الوطن قد اكتووا مطولا من سياسة الخداع والنفاق والكذب والتدجيل والفساد والسرقات وانهيار الدولة التي مارسها من هم اليوم يطرحون اسم النائب فرنجية للرئاسة ، والهدف واضح حتما ، فالغاية شرذمة قوى 8آذار الذين أثبتوا منذ البدء متانة أحلافهم ومبادئهم وقيمهم وروابطهم التي لن ترضى بغير الجنرال ميشال عون القائد العسكري الوفي في عهوده كما في عروبته كما في وطنيته كما في مشروعه الذي هو الإصلاح والتغيير.‏

هذا البرنامج شبيه جدا ببرنامج الرئيس بشار الأسد الذي قال يوما وما تراجع : فلسطين هي البوصلة ، وهذا يعني أن الدعم للمقاومة في لبنان وفلسطين ضد العدو الصهيوني فعل ثابت وقائم ومستمر في عهده ، لهذا فبركوا المؤامرة ضده وضد سورية ، فدمروا وقتلوا ونشروا العصابات الإرهابية الداعشية والنصرة وغيرهم من أجل خراب سورية وكسر شوكة الرئيس بشار الأسد المرفوع القامة والعقل، والذي لا تهزه خزعبلات الشياطين المقهورين من صمود سورية وتصديها لهم، بقوة منظورة لم تكن في حساباتهم الضيقة.‏

هذا ما يحصل حاليا ضد الجنرال ميشال عون الرئيس المستحق لرئاسة الجمهورية اللبنانية فهو لم يسرق ولم يكن يوما فاسدا، وهو من حمى جمهور المقاومة من المدنيين في حرب 2006، وهو العلماني بتفكيره وسلوكياته وإن كان مسيحيا مؤمنا ، إلا أنه يؤمن بالدولة المدنية العلمانية التي تعطي لكل مواطن حقه من خلال قدراته وكفاءته وليس على حساب الانتماء الشخصي والفئوي والسياسي لأن الوطن للجميع ولكل مواطن الحق بخدمة وطنه ضمن إمكانياته الفاعلة والقادرة.‏

أضف إلى ذلك أن الجنرال ميشال عون هو الزعيم المسيحي الأقوى على الساحة اللبنانية، إن كنا سنحسبها طائفيا ، وهو صاحب مشروع واضح ، أهم مجرياته : الانتخابات النيابية على أساس النسبية ، وإدخال المرأة إلى موقع القرار السياسي، ومنح الموظفين والعمال ما يستحقونه من أجل العطاء الأميز والعمل على إعادة تفعيل عودة الطبقة الوسطى إلى محراب الوطن بفاعلية منتجة، كما العمل على استخراج النفط من مياهنا الإقليمية لأن هذه الثروة المستجدة هي بيت القصيد.‏

المؤسف أن من قبل اليوم بالنائب سليمان فرنجية، الذي نكن له كل التقدير والاحترام، رئيسا مقبلا له شروطه ومنها : رئيسا للحكومة على مدى ست سنوات!! في الوقت الذي يعتبر فيه نظام لبنان أنه برلماني ديمقراطي، بمعنى لا يحق لنائب من الطائفة السنية وضع الشروط على رئيس الجمهورية المقبل لجهة اختيار رئيس الحكومة، حتى لو كان رئيس أكبر كتلة نيابية، لأن عملية الاختيار خاضعة للمشاورات النيابية التي يجريها رئيس الجمهورية، واليوم، كما هو معروف، يعتبر رئيس الكتلة هو فؤاد السنيورة وليس سعد الحريري كما هو مصرح به دائما ، بحيث لم يذكر عبر وسائل الإعلام مطلقا طيلة غياب الرئيس سعد الحريري عن الوطن، أن فؤاد السنيورة رئيس الكتلة بالتكليف أو بالإنابه أو بالوكالة لحين حضور رئيسها الأصيل وبالتالي يكون قد تنازل طوعا عن حقه في مطالبته المشروطة، وهذه من هرطقات مخالفة الأصول والقوانين في لبنان، التي لم تعد مقبولة لدى الأغلبية الساحقة اللبنانيين وخصوصا من الجيل الجديد.‏

ثم كيف لرموز 8 آذار الأقوياء وفي طليعتهم حزب الله قبول هذا العرض المغلف بالسم الزعاف، وبالمصالح الخاصة من كل من يروج لهذا الفعل الشيطاني المرسوم بدقة متناهية. هنا يكبر التساؤل : حين يكون حزب الله مدانا من المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ، وحين المطلوب عودة العشائرية والقبلية وعصر الميليشيات إلى حياض الدولة من أجل اقتسام ثروة النفط القادمة دون رادع أو وازع ، ونهب ما تبقى من خيرات الوطن، هذا إذا كان ما زال في الخزائن تبرا.‏

لهذا كله يتجاهلون مسألة الاستفتاء الشعبي ، لأنهم جعلوا من لبنان مزرعة طوائف وقبائل مختلفة في العلن ومتوافقة على سرقة الوطن ومقدراته وهجرة أبنائه ، وهذا الفعل إن حصل ستنعكس سلبياته أكثر وأكثر على الساحة السورية لأن لبنان خاصرة سورية الضعيفة، وقدرها الدائم في السراء والضراء، ولهذا ماذا باستطاعة النائب سليمان فرنجية، مع الثقة بقدراته، أمام الحيتان الثلاث، وهو ليس زعيما مطلقا للمسيحيين ولا يملك أكبر كتلة نيابية في البرلمان اللبناني حين يطوقونه ويحدون من حركته كما فعلوا بالرئيس إميل لحود حين جعلوه منفيا في قصر بعبدا، فهؤلاء الذين يطوبون لبنان لهم إرثا ماليا، لتاريخه لم يشبعوا من سرقة الشعب وتكديس الأموال في خزائنهم وخزائن زوجاتهم وعوائلهم وأنصارهم والمحاسيب. لهذا الوضع أكثر من سيئ .. والانتباه هو التصدي بعينه .. ولات ساعة مندم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية