|
مجتمع وأحياناً أقل من ذلك, نتيجة الزواج في خريف العمر, بغض النظر إن كان زواجه الأول أو الثاني, لتتسع الفجوة العمرية الفاصلة بينه وبين الأبناء, ولتزداد حدة الصراع بين جيلين كل منهما في واد بأفكاره وعقليته وطباعه, وما يتبع ذلك من خلل في العلاقة الأبوية الحميمة التي تنشأ من غريزة طبيعية خلقها الله, وجعلها نعمة من نعم الحياة. فهل لفارق العمر الشاسع بين الأب وابنه تأثير في طبيعة العلاقة فيما بينهما? وما الحل لتفادي آثار هذا الفاصل العمري أو التقليل منه? قلة فرص التفاهم الاختصاصية النفسية فريدة الحسين علَّقت على هذا الموضوع بقولها: بلاشك إن السنوات الكثيرة التي تفصل بين الآباء والأبناء, تباعد بينهم وتجعل عقد المودة ليس بالسهل, فالسلطة الأبوية تلعب دوراً مهماً في تحديد شخصية الطفل المستقبلية, وأهمية هذا الدور تصل إلى حد يمكننا من رد اضطرابات الأطفال في معظمها إلى اضطرابات السلطة الأبوية, وخاصة إذا كان فارق السن كبيراً يتجاوز المعهود, ما يؤثر على طبيعة العلاقة ومدى الانفتاح بينهما, ففارق العمر له تأثير سواء بين الأصدقاء أو بين الأزواج وحتى بين الإخوة, فكيف الحال بالنسبة لأب وأطفاله? حيث يتعاظم هذا الفارق خصوصاً في مجتمعنا الشرقي حيث للأب مكانة خاصة فغالباً ما نجد الوالد يتعامل مع طفله بشيء من الوصاية والتبعية وبذلك تقل فرص التفاهم وتبادل وجهات النظر وتعاطي الأفكار بينهما. سوء تكيف وتشير الحسين إلى أنه عندما يأتي طفل لآباء متقدمين في السن, قد يظهرون بعض مظاهر سوء التكيف, والذي يتبدى من خلال البعد في التواصل بين الآباء والأبناء, نتيجة لبعد المرحلة العمرية الفاصلة, سواء في مرحلة الطفولة أو المراهقة, وينتج عن هذا عدم الإحساس بالأبناء, وهذا يترجم بالحرمان من تقديم الاحتياجات والمطالب الأساسية لنمو سليم, ما يؤدي إلى بعض المشكلات عند الأولاد, فأحياناً طفل لأب مسن قد لا يجد منه أذناً صاغية لسماعه, أو قدرة للعب معه أو حتى عقابه لأن التقدم بالعمر يولد الإحساس باليأس والعجز, فينشأ لدى الطفل شعور بالهامشية, وبالتالي عدم تقديره لذاته مستقبلاً, بالإضافة إلى شعوره بعدم حبه له, أو تكون للأب سيطرة مطلقة, بحيث لا يترك لأبنائه شيئاً من الحرية بالرأي والتعبير ما يولد شخصية غير قادرة على اتخاذ القرارات. وتلفت الحسين إلى أنه بالطرف المقابل قد يكون النقيض تماماً, فالطفل الذي يأتي متأخراً وبعد طول انتظار, قد يقابل بمزيد من العناية والدلال الزائد, والمزيد من الالتصاق العاطفي, وقضاء الحاجات المتعددة برضا وسرعة, فينشأ لا شعورياً معتمداً على الوالدين أو أحدهما. فالتدليل الزائد, وعدم رفض طلباته مهما كانت غير معقولة أو منطقية, سيجعله غير متحمل للمسؤولية, فيعتبر طلباته أوامر للجميع, ويخرج للحياة بهذه العقلية, ليصطدم بعدم تقبل المجتمع لمثل هؤلاء الأشخاص, وبالتالي سيجد صعوبة في التكيف مع من حوله, فيكون اتكالياً يميل إلى الخنوع ورهبة الناس. الاقتراب من الأبناء ولتجاوز هذا الفارق بين هذين الجيلين, تتابع الحسين قائلة: الآباء سواء أكانوا صغاراً أم متقدمين في السن, هم أداة أساسية في تكوين شخصية الأبناء, وليتم التوافق بينهما قد لا يكون أمام الآباء سوى طريقين, عليهم اختيار أحدهما, فإما ينزل الآباء لمستوى الأبناء, وهذا ممكن وسهل أو أن يصعد الأبناء لمستوى الآباء وباعتقادي هذا صعب بل وشبه مستحيل, لذلك ينبغي على الآباء الاقتراب من أبنائهم, ومشاركتهم اهتماماتهم وميولهم, وإشعارهم بأهميتهم, ومكانتهم في حياتهم. وتنصح الحسين أخيراً بالزواج والانجاب في سن مناسبة, لتفادي هذه المشكلة, ولتقليل الفجوة العمرية ما أمكن, وللحد من التأثيرات الناجمة عن صراع الأجيال وما يتبعها من انعكاسات على تربية الأبناء, فالاعتدال والتوازن بين الدلال والحزم ضروريان لتنشئة الأطفال. |
|