|
محطة صدمات مروّعة ليس للاعبين والمضاربين الكبار فحسب, وإنما للفئات والشرائح الاقتصادية والاجتماعية الوسطى والصغيرة, التي ربطت حياتها وإنتاجها ومعيشتها واستهلاكها بالبنوك وأسواق المال والرهن والصيرفة وغير ذلك من أنماط تقليدية ومستحدثة في إطار (الابتداعات) الرأسمالية, التي تعمل دائماً على ابتكار وسائل (فعّالة) ل(تجديد) نفسها ونهب خيرات الشعوب بطرق وأساليب مختلفة, بما في ذلك اختراع لعبة البورصات, والإعلانات المتكررة عن (الإفلاسات), وابتلاع أموال المودعين, التي تصل إلى التريليونات. مئات بل آلاف الدراسات والمقالات والتحليلات والتعليقات نشرت في الأسابيع الأخيرة, بشأن الأزمة الخطيرة الحالية للرأسمالية وتداعياتها المتوالية, التي يمكن أن تدمّر النظام الاقتصادي العالمي برمته. بل إن مفكرين ومنظّرين لهم مكانتهم الرفيعة في النظام الرأسمالي اليوم (مثل جوزيف ستيغليتز الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي بيل كلينتون) حذّروا مراراً وتكراراً من تفاقم المشكلات الحاصلة في أسواق العالم الرأسمالي نتيجة ل(صدمة العولمة) والمفرزات الخطيرة ل (فيروس الرأسمالية) المؤدي حتماً إلى (نقص المناعة ) (بحسب تعبير المفكر المعروف سمير أمين), وتآكل مفاصل هذه المنظومة, وتوقف أعضائها عن أداء وظائفها الأساسية, وتفجراتها العضوية البنيوية القاتلة, بحيث يستحيل إنقاذها وإعادتها إلى حياتها الطبيعية, (في المركز وفي الأطراف) على حدٍ سواء. المشكلة الأساسية ليست (مشكلة ثقة) اهتزت مؤقتاً في الأسواق والمصارف والبنوك, بل هي في أساسها مشكلة وطبيعة وجوهر النظام الرأسمالي ذاته. إذ إن ما يعانيه اليوم من خبطات وتخبطات وفوضى وزلزال عنيف, يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك مقولة كارل ماركس الشهيرة بأن (الرأسمالية تحفر قبرها بيديها) (والحديث حول ذلك يطول وليس مقامه هنا). الطريف في هذا السياق أن بعض الكتّاب العرب من تابعي أتباع الفكر (الليبرالي الحر) لا يقبلون (الشماتة) بما جرى لبوش ونظامه الامبراطوري, الذي لم ترَ الشعوب والأمم منه سوى الاستكبار والغطرسة والقهر والاحتلال والهيمنة, ويؤكدون بثقة عالية يحسدون عليها أن ما يحصل اليوم في نيويورك وواشنطن ولندن وباريس وبرلين وطوكيو..إلخ, ليس سوى هزة آنية مقتصرة على أسواق المال والبورصات والخدمات المصرفية, (لن تمسّ الاقتصاد الصلب, المتمثل بقطاعات الانتاج والصناعة(, وكأن القطاعات هذه غير مرتبطة بتلك!!, هذا في الوقت الذي نجد فيه أن كبار القادة والمسؤولين وأصحاب القرار في الدول الرأسمالية الكبرى يحذّرون علناً وبهلع حقيقي من أن (النظام الرأسمالي برمته يقف الآن على حافة الانهيار). من حقّ العالم كلّه أن يقلق من الزلزال الرهيب, الذي ضرب في كل مكان تقريباً, ومازالت توابعه التدميرية تتفجر مبتلعة في كل ساعة مئات الملايين من الدولارات, وليست الأسواق العربية المنخرطة في مضاربات هذا (الكازينو) العالمي الضخم بمنأى عمّا يدور, حيث بلغت الخسائر العربية, مئات مليارات الدولارات حتى الآن, ومازالت الأزمة تكبر وتتضخم وتتفاقم, والحلول المطروحة (تسكينية) فقط كما يبدو. لكنني شخصياً سأكون غير صادق إذا ما أبديت أسفي على افتضاح النظام الرأسمالي ونظريات (الليبرالية الاقتصادية), وانكشاف زيفها وغاياتها و(منجزاتها) الحقيقية على هذا المستوى الكوني, بل إنني أستبشر بإمكانية عودة الوعي عالميا وعربيا , واستيقاظ العقول من سباتها الطويل, إلى حدّ أن جزءاً كبيراً منها (استقال) من وظيفة التفكير الحر فعلاً, عبر التبعية العمياء ل (مراكز التفكير) الرأسمالية, ومؤسسات (التخطيط الاستراتيجي) أو (التخبيط العولمي) في أمريكا وحليفاتها الغارقة في موجات متتالية من الأعاصير, التي لن توفر أي مفصل من مفاصلها (الصلبة) و (الناعمة), تبعاً لتوقعات مفكِّريها ومنظِّريها وخبرائها, الذين يخشون على مستقبل أنظمتهم الرأسمالية, وبلدانهم وأبنائهم, وليس على مستقبل شعوبنا ومجتمعاتنا وأبنائنا. www.khalaf-aljarad.com |
|