|
دراسات غير أن حسابات حقله الواهم لم تتفق مع بيدر النتائج الصادمة، فإذا بالعالم كله بات اليوم يسمع صراخ وشكوى المعتدي السعودي وخاصة على وقع الهجوم الكبير الذي طال منشآته النفطية في بقيق وخريص مؤخراً والعديد من الهجمات الأخرى التي طالت منشآت ومطارات ونقاط عسكرية، بعد أن أصم هذا العالم ذاته أذنيه على مدى السنوات الماضية عن سماع آلام وأوجاع وصرخات ملايين اليمنيين الفقراء ممن قتلهم وحاصرهم وشردهم وجوّعهم وفتك بهم عدوان جارهم شديد الثراء والنفط ومئات مليارات الدولارات التي تدفع على التسلح ودعم وممارسة الارهاب حول العالم. والمفارقة المذهلة هنا أن المعتدي الذي شنّ الحرب من دون أي مبررات قانونية أو شرعية وظل طوال الوقت يرفض وقفها، بات اليوم يطلب الحماية والمساعدة الدولية بعد أن أصيب في عقر مصالحه الحيوية وفي قلب الرئة الوحيدة التي يتنفس منها اقتصاد حربه المجنونة ألا وهي شركة أرامكو النفطية العملاقة. تؤكد المعلومات والمعطيات المرتبطة بالهجوم الذي طال منشآت النظام السعودي النفطية بطيارات مسيرة أن الخسائر هي الأضخم في التاريخ الحديث، حيث أدّى الهجوم إلى وقف ضخ حوالي 6 ملايين برميل من النفط يومياً، وتريليونين من الأقدام المُكعّبة من الغاز، وآلاف الأطنان من البتروكيماويات التي تُعالج في هذا المجمّع، كما تسبّب ذلك بتأجيل طرح أسهم شركة أرامكو العِملاقة في الأسواق العالميّة وهي خسائر كبيرة وبما لا يقاس وفاتورة ضخمة، ولكنها طبعاً لا تقاس بنتائج العدوان الهمجي السعودي على الشعب اليمني حيث تمّ تدمير البنية التحتية من مشافٍ ومدارس ومنشآت اقتصادية وثقافية ورياضية حيوية وآثار وأوابد تاريخية، ولم تسلم حتى دور العبادة والمقابر، إضافة لقتل عشرات الآلاف من النساء والأطفال وتجويع أكثر من ثلاثة أرباع الشعب اليمني والتسبب بأمراض وأوبئة مثل السل والكوليرا نتيجة تدمير البنية الصحية. الغريب في كل ما جرى ومع كل الخسائر المرشحة للازدياد والتفاقم عند طرفي الحرب أن ذلك لم يدفع الطرف المعتدي لمراجعة حساباته والتوقف عن عدوانه البربري، بل سارع إلى تحريض حليفه الأميركي، الذي يتقن أساليب وفنون الابتزاز المالي والاستثمار السياسي، وباقي الداعمين الدوليين من أجل زيادة رقعة الحرب في المنطقة عبر شن حرب على إيران بذريعة وقوفها خلف الهجمات الأخيرة، ورغم أن معظم المعطيات المرتبطة بالحادث الكبير تؤكد أن الهجوم على المنشآت النفطية السعودية نفّذه أبطال اليمن رداً على العدوان الذي يستهدف بلادهم وبطائرات مسيرة من صنعهم، إلا أن النظام السعودي المحشو بالكراهية والحقد تجاه الجارة إيران يصرّ على أن الهجوم تمّ بصواريخ موجّهة، مرة من العراق ومرة من إيران في تسوّل واضح وفاضح لحرب أميركية على إيران، لا هو يستطيع الانخراط فيها ولا الرئيس الأميركي يريدها، لكونها تتناقض مع مصالحه ووعوده وأجنداته حالياً، وكأن النظام السعودي يرى في هذه الحرب المجنونة ــ إن وقعت ــ طوق نجاته مما يعانيه على جبهة اليمن، ما يؤكد انزعاج النظام السعودي من الجهود الدولية التي تبذل على خط واشنطن ــ طهران لإجراء حوار بينهما يسهم في وقف التصعيد والتوتر، ويعيد واشنطن مجدداً إلى الاتفاق النووي الذي تسبب خروجها منه قبل عامين بأزمة دولية خطيرة، ومن الممكن أن تدفع التطورات المتتالية في الخليج إلى أتون حرب كبرى إذا بقي الحصار الأميركي الظالم على إيران مفروضاً مع وجود أطراف أخرى تريد الحرب سواء في الولايات المتحدة أم الكيان الصهيوني. لقد قدّم النظام السعودي المفلس أخلاقياً والأرعن على الصعيدين السياسي والاستراتيجي من حيث يعلم أو لا يعلم مبررات جديدة للرئيس الأميركي من أجل ابتزازه مالياً تحت عنوان الحماية، حيث ألمح هذا الأخير والعديد من السياسيين الأميركيين إلى احتمال تورط إيران في هجوم أرامكو، لكن ترامب أكد رغبته بتجنب الحرب مع إيران، غير أنه في الوقت ذاته أبدى استعداد بلاده لمساعدة النظام السعودي مقابل المال مطالباً إياه بالدفاع عن نفسه. يقول ترامب في حديث صحفي تعليقاً على الحادث إن بلاده تملك «أقوى جيش في العالم»، معتبراً أن الدبلوماسية لا تستنفد أبداً عندما يتعلق الأمر بإيران. لكنه في المقابل حمّل النظام السعودي المسؤولية حيث يؤكد «أعتقد أن جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على السعودية في الدفاع عن نفسها، وإذا كانت هناك حماية منا للسعودية فإنه يقع على عاتقها أيضاً أن تدفع قدراً كبيراً من المال، أعتقد أيضاً أن السعوديين يجب أن تكون لهم مساهمة كبيرة إذا ما قررنا اتخاذ أي إجراء، عليهم أن يدفعوا، هم يفهمون ذلك جيداً». في المقابل يستبعد عدد من المحللين الاستراتيجيين بشكل كامل تطوّر الأزمة الأخيرة وبلوغها مرحلة الحرب بين إيران والولايات المتحدة استجابة للأمنيات والتحريض السعودي والصهيوني. ففي الوقت الذي يحاول البعض اتهام إيران بالوقوف خلف الهجمات بسبب تأذيها من الحصار الاقتصادي الأميركي، يرى البعض الآخر أن ما جرى يخدم واشنطن وأن التحقيق الذي يجري الآن سيساعد واشنطن على «شيطنة» صورة إيران أمام المجتمع الدولي بحيث يساهم ذلك أكثر في حصارها وخنقها، ويُعفي واشنطن من الدخول في مواجهة عسكرية غير مضمونة النتائج، وبما أن ترامب هو رجل الصفقات بامتياز فقد تساعده هذه التطورات على المضي قدماً في استغلال النظام السعودي بمزيد من «الحلب» ودفعه لعقد المزيد من صفقات الأسلحة الكبيرة. وفي كل الأحوال يعتبر الهجوم الأخير على المنشآت النفطية السعودية الحيوية وبغض النظر عن الجهة المنفذة، ضربة موجعة ومزدوجة للأميركيين والسعوديين، إذ فشلت أو تعامت كل تقنيات الحرب الإلكترونية الأميركية الموجودة في الخليج «نظرياً» عن رصد أو تعطيل الطائرات المسيرة رغم طول مسار تحركها ــ قرابة 1350 كم ــ أو الحيلولة دون وقوع الهجوم وتسببه بمثل هذه الأضرار الهائلة على الاقتصاد السعودي، وهذا ما يطرح تساؤلات كبيرة حول «تواطؤ» الولايات المتحدة في هذا الهجوم بشكل غير مباشر، من أجل قطف ثماره ابتزازاً للنظام السعودي وتشويهاً لصورة إيران، أو أن جهات تتبع لواشنطن تريد تأخذ المنطقة إلى الحرب فعلاً. يعتقد أحد المحللين الاستراتيجيين أن الرئيس الأميركي المقبل على فترة انتخابية حرجة لن يغامر بالذهاب للحرب، لأن موقفه الانتخابي سينهار أمام التوابيت التي ستعود بالجنود الأميركيين، ولذلك ينبغي على النظام السعودي أن يقلّع شوكه بنفسه وأن يجني ثمار ما زرعت يداه وأن يتحمل نتائج حربه المجنونة على اليمن ويدفع أثمانها الباهظة.. |
|