|
قاعدة الحدث وقلبت الموازين بحق النقض الفيتو الذي استخدمته سلاحاً على امتداد السنين السابقة لقتل أي أمل بإعادة الحقوق للشعب الفلسطيني وتحقيق أي تقدم لصالح القضية الفلسطينية التي لاتزال ضحية الهيمنة الغربية على قرارات مجلس الأمن.
إن الحديث فلسطينياً وعربياً عن مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة ذو شجون وأشجان، ذلك أن حصيلة التجارب الفلسطينية خاصة، والعربية عامة على خلفية تعاملها معه، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها كانت مريرة، ومخيبة للآمال وشكلت في غالبية المرات رهانـاً خاسراً، كون هذا المجلس في وضعه الراهن، قد أصبحت له معايير مزدوجة، ويكتال بمكيالين مختلفين، والأخطر من ذلك أنه يخضع للإرادة الأميركية والإصرار الأميركي على تجنيب إسرائيل أي إدانة أو لوم أو إلزامها بما لا ترضى عنه، وإن حدث ذلك فالفيتو بالمرصاد لأي أمر يعكر صفو إسرائيل. لاشك أن القضية الفلسطينية احتلت مساحة شاسعة من فعاليات منظمة الأمم المتحدة ومداولاتها، وحظيت بأعلى نسبة من الانعقادات والاجتماعات واللقاءات والمداولات والمشاورات على شرفها، وإن أي قضية أخرى لم تحظ لا قبلها ولا بعدها بمثل ما حظيت به من وقت وجهد، سواء كان ذلك في مجلس أمنها أم جمعيتها العمومية أم مؤسساتها المختلفة الأخرى التابعة لها. إلا أن ما تمناه الشعب الفلسطيني شيء، والواقع شيء آخر. والحالة الفلسطينية خير مثال على هذا الطرح، فتحت ظلال الأمم المتحدة، وتحديداً مجلس أمنها، كابد الشعب الفلسطيني معاناته التاريخية على صعيدين، أولهما مأساته المتمثلة في اغتصاب كامل تراب وطنه وتهجيره إلى الشتات عبر سلسلة من الحروب شنت عليه في كل مكان تواجد فيه، وما زال يكتب صفحاتها بدم أبنائه. أما الصعيد الثاني فيتمثل في مجمل علاقاته مع مجلس الأمن الدولي، وهي علاقة أورثته المزيد من المعاناة، فالقضية الفلسطينية أصبحت حالة مستعصية في أروقته وخلف كواليسه، وبرغم عدالة هذه القضية وشرعيتها، فإن واحداً من القرارات الأممية المناصرة لها لم يجد وسيلة حقيقية لإخراجه إلى حيز التنفيذ، وظلت هذه القرارات حبراً على ورق، وليس لها أقل رصيد. على مدى ستين عاماً ويزيد من عمر المنظمة الدولية، يمكن القول إن الشعب الفلسطيني ومعه الشعب العربي لم يحققا أي إنجاز يذكر، فهم وإن تمكنا في حين من الزمن من استصدار (قرارات الحد الأدنى لصالح القضية الفلسطينية) إلا أنه وتحت ظلال بعض الأنظمة السياسية العربية غير المبالية، لم يحظيا بقرار حاسم واحد على الصعيد الفعلي والتنفيذي. في التعامل مع مجلس الأمن، يمكن رصد ثلاثة أشكال من القرارات هي نصيب العرب عامة، والفلسطينيين خاصة من هذا المجلس. الشكل الأول يتمثل في قرارات الحد الأدنى التي استهللنا بها، ومثالاً لا حصراً القرارات 184، 191، 242، 338، وهي تخص القضية الفلسطينية، وهي في مجموعها قرارات فيها بعض الإنصاف، إلا أنها ظلت حبراً على الورق، مطمورة ملفاتها في غياهب أرشيفات المنظمة الدولية. أما الشكل الثاني من القرارات التي تخص القضية الفلسطينية وتداعياتها، فهو قرار واحد كررته الولايات المتحدة الأميركية عشرات المرات، تمثل في (حق النقض الفيتو) أو التهديد باستخدامه، وعلى الأرجح أن الفيتو هذا قد أصاب عدة عصافير بحجر واحد. فمن جهة كان لحماية إسرائيل من أي شكل من أشكال الإدانة، والحيلولة دون تنفيذ ما ليس لها رغبة فيه. ومثالاً لا حصراً موضوع الكف عن مصادرة الأراضي الفلسطينية، وإقامة المستوطنات عليها، أو المراقبين الدوليين، أو نشر قوات دولية، أو لجان تحقيق، أو أي قرارات أخرى ترفضها إسرائيل، ذلك أن القرارات التي ذكرناها آنفاً، كانت بمثابة تنغيص لها، لطالما سعت لطمسها، والالتفاف عليها. ومن جهة أخرى فقد شكل الفيتو الأميركي صفعة في وجوه كل الجهات، عربية كانت أو إسلامية أو دولية أخرى بغية إحباط أي مسعى للنيل من إسرائيل، كونها من منظور أميركي خطاً أحمر لا يجوز الاقتراب منه. أما الشكل الثالث من قرارات مجلس الأمن فهو ما يخص القضايا العربية الأخرى، ومثالاً لا حصراً كل القرارات الصادرة ضد ليبيا والسودان والصومال ولبنان وغيرها. فهذه القرارات كان لها رصيد ضخم على أرض الواقع، وأصرت الولايات المتحدة الأميركية والغرب الاستعماري على تنفيذها بحذافيرها، وعلى الأرجح أن هناك في جعبة الولايات المتحدة والغرب وحليفتهما إسرائيل تشكيلة من القرارات المعدة مسبقا والمعادية بطبيعة الحال للقضايا العربية تنتظر دورها تباعا وحسب مقتضيات الظروف والمتغيرات. لقد اكتشف المواطن الفلسطيني خاصة، والعربي عامة منذ زمن بعيد أن مجلس الأمن هو مجلس الأقوياء الذين نصبوا أنفسهم أولياء أمور على العالم وقضاياه، وفي حقيقة الأمر، ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي أصبحت الولايات المتحدة الأميركية المدعومة من الغرب المتغطرس هي القوة العظمى الأحادية القطب وهي بالتالي المسيطرة على المنظمة الدولية والمتحكمة بمجلس أمنها، وكأنه أصبح جزءاً لا يتجزأ من الإدارة الأميركية. وهكذا فإن التعامل معه عربياً وإسلامياً له محاذيره، وأصبح له معايير أخرى غير تلك التي تأسس من أجلها. التعامل مع مجلس الأمن بوضعه الحالي عبثي ومضيعة للجهود والوقت والتفاف على ما يفترض وما يفرضه الواجب القومي تجاه كل قضية عربية وخاصة القضية الفلسطينية والقدس والمقدسات الإسلامية، وهذا يقودنا إلى سؤال أنفسنا لماذا سلكت بعض الأنظمة العربية والإسلامية مسار العجز والضعف والفرقة والاستجداء والاستعطاف، وهي تملك كل وسائل القوة والعزة والمنعة التي لم تقم بتفعيلها، أو إنها ترفض ذلك، أو حتى ترفض الإشارة لها في معرض علاقاتها مع الدول صاحبة القرار، وخلافا لذلك آثرت ولحاجة في نفوس أصحابها أن تسلك هذا المسار الذي لا يقدم ولا يؤخر، وهو المسار نفسه الذي ما زال يجر العالم العربي القهقرى، فبات في حال يرثى لها، لا يجيد الرهان، فمجلس الأمن في حالته هذه رهان خاسر. |
|