تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


(العنوان في الرواية العربية)..دلالات ومعانٍ

ثقافة
الخميس 20-9-2012
(لم تعد العتبات النصية بتلك البساطة مجرد علامات بكماء خالية من التشويق والإثارة بل غدت خطابات أدبية غنية الدلالات وملفوظات إشارية ذكية التبلور) هذا مايوضحه عبد المالك أشهبون في مقدمة كتابه

(العنوان في الرواية العربية) والذي رأى فيه أهمية العتبات النصية التي تشتمل أيضا إضافة إلى عناصر الغلاف الخارجية العتبات الداخلية المتمثلة بالإهداء والتنبيهات والهوامش والتذييلات أي التي من دونها يبدو النص عاريا من سماته.‏‏

ويقوم أشهبون في دراسته هذه بتناول فن العنونة عند الروائيين العرب مستندا على علم العنوان الذي أسسه النقاد مابعد الحداثيين في الغرب مثل جينت وريفايتر وايكو والذي جعلوا منه حقلا دراسيا له استقلاليته القائمة على خصائص ووظائف تنطلق دراستها من البحث السينمائي الذي تعتمد عليه البحوث الفكرية والفنية مابعد الحداثية منطلقين من الوظيفة الإشهارية الإعلامية التي يقوم بها العنوان والتي أسسها الإغواء وفتح الشهية والتلخيصية وغيرها مما قد يساعد على إثارة انتباه المتلقي وجذبه.‏‏

وفي تقرير أعده وائل شعبو ونشرته سانا قال: إن الدراسة تبحث أولاً في عناوين روايات الحساسية التقليدية متمثلة بمخاضات الرواية كجنس أدبي محدث في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حيث وجد أشهبون أن العنوان عند الوراد تميز بالتخلص إلى حد كبير من السجع التراثي إضافة إلى ما يكمن فيه من مضمون تلخيصي ووجد أن عناوين العديد من الروايات يشتمل على أسماء العلم خصوصا المؤنثة مثل (سارة- زينب-قطر الندى) رابطا ذلك بقضية تحرير المرآة وأن هناك عناوين تشويقية تشبه عناوين الأفلام خصوصا في روايات التسلية والترفيه مثل (عواقب الغرور أو شهداء الإخلاص..) أما الروايات التاريخية ويتخذ عليها أمثلة عناوين روايات جرجي زيدان التي تقدم مضامين رواياته التراثية مثل (فتح الأندلس) غادة كربلاء (المملوك الشارد) ويعرج في نهاية دراسته لعناوين الحساسية التقليدية على الروايات الرومانسية مثل (دعاء الكروان- بعد الغروب-الجامحة) حيث تدل هذه العناوين على ظهور الفردية في الرواية العربية وتبدي الشعور بالغربة والإنكسار الذي يعيشه الفرد في مواجهة العالم.‏‏

وينتقل الباحث إلى الجزء الأشمل من كتابه مستعيرا من إدوارد الخراط مفهوم الحساسية الجديدة والذي يعبر عن الرؤى الجديدة التي تتضمنها الروايات الحديثة وعناوينها فيستعرض آراء عدد من الروائيين حول كيفية اختيار عناوين كتبهم ويجد أن التاثيرات الخارجية تلعب دورا في اختيار العناوين وانتخابها مثل آراء المقربين وتاثيرها في اختيار الكاتب للعنوان فنجيب محفوظ اضطر بسبب الرقيب إلى تغيير عنوان روايته (فضيحة في القاهرة) إلى (القاهرة الجديدة) وصنع الله ابراهيم وبعد سجال مع يوسف إدريس أبدل عنوان روايته (الرائحة النتنة في أنفي) ب (تلك الرائحة) وقد يحدث التبديل بعض الطبع لنفس الأسباب كما حدث مع محمد شكري باقتراحات من أصدقائه ووجدي الأهدل الذي صودرت روايته في اليمن وأغلقت بسبب عنوانها (وقائع جمهورية الانتفاخ) ليعود ويصدرها بعنوان جديد طريف (قوارب جبلية).‏‏

ويرى أشهبون أن عناوين روايات الحساسية الجديدة ليست مثل التقليدية تعكس موضوع الرواية وتكون مفتاحا ميسرا لولوج النص فيه فهي مختلفة بل ومتناقضة من حيث آدائها الإشهاري القائم على الغموض والإنغلاق والمباغتة التي تحرك مخيلة المتلقي من أجل التفسير والتأويل فهذه العناوين قد تتالف من حرف مثل عنوان رواية هاشم القروي (ن) أو حرفان كرواية (عو) لابراهيم نصر الله أو كلمة واحدة (وردة) لصنع الله ابراهيم أو طويل أو عنوان له عنوان فرعي كل ذلك لاستحضار بداهة المتلقي وإذكاء الاستغراب والفضول فيه.‏‏

ويقدم اشهبون دراسة تطبيقية لعناوين بعض الروايات فيختار عنوان رواية (الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل) لاميل حبيبي لما فيه من غنى معنوي ناتج عن دلالاته المركبة فيجد فيه أبعادا تشويقية حاضرة في الجزء الأول من العنوان حيث دلالات الكلمات تستحضر عنوانا بوليسيا جاذبا بينما القسم الثاني منه يحمل التناقض الطريف والتهكمي وهو يقوم أي المؤلف بربط العنوان بأحداث القصة الساخرة والغريبة لبطل القصة بل وبحياة الكاتب حيث وجد فيها شيئا من السيرة الذاتية للروائي.‏‏

وفي مثال تطبيقي آخر عن دور العنوان في بلورة النص أو تحديده في إطار لافت تدل عليه وتسمه بخصوصيته ومتمثلا رأي جيرار جينت في تقسيم عتبة العنوان إلى العنوان الرئيسي والتحتي أو الفرعي والعنوان النوعي الذي يدل على جنس النص إضافة إلى العناوين الداخلية يقوم أشهبون بقراءة عناوين بعض روايات إدوارد الخراط ويركز على روايته (يا بنات اسكندرية) والتي يكشف في عنوانها سمة شعرية تتصف بها عناوين الروايات الجديدة كما يتابع في نفس المنحى دراسة عنوان (احلام بقرة) للروائي المغربي محمد الهرادي ثم يركز على عجائبية العنوان ودور التعجيب في العنوان كسمة من سمات الحساسية الجديدة التي تفتح افق القارئ على احتمالات غير مضبوطة وأشارات تحتاج إلى خيال قادر على التقاطها وفك شيفراتها وهضمها. ويخلص شعب والى القول.‏‏

أشهبون يستنتج ان الصيغ التقليدية لعناوين الرواية العربية تستنفد طاقاتها التعبيرية بسبب المباشرة والتمثيلية ما قلل من دورها في النص بينما يمكن اعتبار عناوين الحساسية الجديدة نصا مصغرا له بنياته ووظائفه وأهدافه ومردود طاقاته الدلالية يحرك في المتلقي التأويل بإبعاد انزياحية غنية تؤججها المفارقة والطرافة والغرابة والشعرية كمواصفات خاصة لهذه العناوين.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية