|
آراء من أين نبدأ الوطن؟! قد يخطر على بال أحد أو إحدى أنه بعيد ويحتاج الزاد والسفر، وآخرون يظنون أن الوطن (بمسودات) و(مبيضات) مثل الامتحانات الجامعية.. أو بدفاتر صادر ووارد مثل الذي عند تجار الجملة أو المفرق.. الوطن في القلب والبال وعلى بعد عقل واحد وفؤاد واحد من الحياة.. بل هو كامل البال والقلب والفؤاد والعقل وخاصة في الضيق.. ولا مكان للكرامات يليق بقدها وقيافتها ومحاسنها سوى البال والوطن.. ومن غيرهما تصير على (البسطات) مثل المكتبات التي يموت أصحابها، فيبيعها الوارثون بـ (الجملة) أو (بالكيلو) أو الجيد والرديء بسعر واحد.. الكرامات وراثة نفسية وطنية لا يموت أصحابها وهي لا تموت أو تصدأ.. حصلت حوارات وأحاديث واختناقات مرورية بين الكرامة والمهانة وبين الفساد والصلاح والخير وبين (مهربي تعاسات) و(مزوري قناعات) وعلى فكرة: كثرت حالات تزوير القناعات والأفكار لكن الكرامات لا يمكن تزويرها مثل الوجدان البلدي الصافي والحزن الوطني الرقراق.. رغم كثافة أمطار الويلات والجراحات والموت الزؤام والنزف والحرائق ورغم رغبة المتورطين باليأس أو بالجهل أو بسوء التدابير الروحية بقيت الكرامات محط اعتزاز وحماها الوطن من مصير البسطة.. منذ ثلاثين وجداً وعاماً وأنا أزور بائعاً قديماً في دمشق وهو يزورني... وفي مفترق حزن جمعتنا مرارة مشتركة وخلطة أسف بلدية مثل (الحني البلدي) اكتفى الرجل بـ: (الحمد الله على سلامة الكرامة).. وكبير وطني آخر تجمعنا به كل وقت مصادفات الرؤى والأزمة، وفي كل مرة نلقاه وكرامته وحسه الإنساني وشجاعة تأملاته وتمنياته: الوطن بنا ولنا.. أولاد الحرام أرادوا تشويه سمعة كرامتنا.. كذبوا باسمها وعليها وزوروا الأحاديث والقصص والأخبار الكاذبة جداً لكنها واجهتهم وصدمتهم وتصدت لهم لا بيت في هذا الوطن بلا (مونة كرامة). النسوان السوريات يحتفظن بالأنوثة والشرف وحب الأولاد.. الكرامات السورية والعربية والإنسانية ليست (قطع غيار مستعملة) أو جديدة.. ولا يمكن عرضها بأسعار مخفضة.. وليست (أنتيكا) وتحفاً شرقية أو أساور وسلاسل وأقراطاً تتزين بها النساء المليحات.. هي أقراط داخلية وأساور وجدان. و(أنتيكا أفئدة).. هي كلنا وبعضنا والأمهات والحبيبات والفتيات اللابسات للتو فساتين الزهر والسوسن وبلوزات المشاوير المسائية. هي عطر نظافة الحبيبات السوريات المشهورات بالعطر والتوق والذوق وهي كتاب البقاء الكبير الذي نكتبه كل يوم بالعافية والجنود الجميلون الأبطال يكتبونه بالدم. ليس مثلهم أحد: يكتبون سطراً في أول الوطن ويكتبون دماً واثقاً في عز المحن والأزمة والزمن.. الحبيبة تؤلف حبيبها بالغمزات والغزل العذب والأنوثة المحكية التي لا تتلعثم بالفصحى.. والشهداء كيف يؤلفون البقاء؟ كل شهيد بقاء وكل راحل حكمة تضحية أقدر على قول كلمة صدق وحياة الباقون بـ(معية) هؤلاء الشرفاء الذين يقولون دمهم ويمضون.. في الأزمات الخانقة الدم بطل الأبطال.. بل هو الملك ونحن الرعية .. طبعاً الدم الذي يقرأ في كتاب الوطن لا في كتاب الجهالة والخيانة وسوء النوايا والخبايا.. السوريون رعايا دمهم الوطني وحزنهم الوطني وهمهم الوطني من أجل أن تبقى الكرامات أعز من (البسطات).. ولا أستهين بقدر البسطة وكرامتها بل أطالب بأن تبقى كرامتنا بمستوى الوجع الوطني الكبير والهموم الكبيرة.. (البسطات) مكشوفة وشارعية.. والكرامات الوطنية داخلية ولا يمكن كشفها إلا في حضرة البال والأفئدة.. لا تصادر ولا تصدر ولا يمكن تقليدها أو تزويرها .. الكرامة تموت قبل التقليد والتزوير والمصادرة والتصدير.. تحيا كرامة أو تموت.. تتبوأ صدر القناعات والهمة والروح أو تنام قبل الدجاج خوف أن يشمت بأحزانها ساهرون بطرون ببؤسهم الروحي.. ولا ينقصها تواقيع أو تلميع أو نفض غبار حتى تكون كرامتنا ولا تختلف بين بائع صغير وفلاح وعاشق وعامل تنظيفات وعالم ذرة.. الكرامة وطن واحد ومصير مشترك وبصمات تلزمنا وعائلات وأفراد تحت الحر تنمو وتكبر وفي البرد تحيا وفي القتل والتزوير تصير الكيان والأم و(عزوة الضمير).. |
|