تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أمة الشتات..

آراء
الخميس 20-9-2012
ديب علي حسن

مفارقة غريبة عجيبة لا يكاد المرء يجد لها تفسيراً أبداً إلا أنها من باب العجائب الإنسانية والحضارية.. العرب وأحوالهم ومآلهم..

في بداية القرن العشرين المنصرم حين لم تكن وسائل الاتصال والتقدم التقني والحضاري قد وصلت إلينا بالقدر الكافي كانت شعوبنا تشعر كأنها جسد واحد في المودة والتواصل والتراحم والتعاضد.. لم تجد من يشعل نار الحقد والضغينة والطائفية ويزرع الشقاق بين أبناء الأمة الواحدة.‏

مفكرونا كانوا من رحم الشعب وآلامه ومعاناته أناروا الدرب ودفعوا ثمن ذلك غالياً .. هل نذكرّ بالكواكبي وشهداء السادس من أيار..‏

هل نذكرهم بالقول الذي تردد صداه في أحد المؤتمرات القومية آنئذ وأظنه للعريسي: نحن عرب قبل أي صبغة دينية أو سياسية...؟!.‏

واليوم مالنا وقد تبدلت الأحوال وصار العالم على حد قول المشغولين بالعولمة: صار قرية صغيرة كأن الجميع في منزل واحد..؟!‏

هل نحن في هذه القرية العالمية التي يقصدونها ويتحدثون عنها..؟! هل نحن على سطح هذا الكوكب الذي يقولون إنه يزداد ألفة وتقارباً وتفاعلاً...؟!‏

ربما أكون مخطئاً إذا قلت: إننا نسير عكس الاتجاه والواقع وسنة الحياة والتطور.. أقول ربما أكون مخطئاً لكني أود أن أتساءل كيف كنا جسداً واحداً في الآلام والآمال.. جراح مصر النازفات باتت لها راسيات الشام تضطرب وبغداد ونجوى يثرب ومن يمن إلى تطوان كيف شدّ عبد القادر الجزائري رحاله من الجزائر إلى دمشق صحيح أنه نفي لكنه اختار دمشق منفاه وقصره على تخوم دمر مازال شاهداً وأحفاده كذلك..؟!.‏

لماذا ذهب عز الدين القسام من جبلة إلى فلسطين ثائراً، مجاهداً، مناضلاً.. لماذا فجر جول جمال زورقه بالبارجة الفرنسية..؟!.‏

هل أذهب بعيداً في طرح الأسئلة..؟!‏

كان المعري أو أبو تمام أو المتنبي أو من شئت من الأدباء والمبدعين وحتى التجار آنئذ والرحالة يشدون الرحال بين أقاليم الأمة ويعقدون جلسات نقاش وعلم يختلفون، يتنافسون، يعودون إلى ديارهم ولا أحد يهدر دمهم.‏

والآن.. الطائرات الأسرع من الصوت والفضاء الذي ينهمر بألف قناة فضائية والهواتف التي ما تكاد تضغط على أحد أرقامها حتى يرد عليك من تطلب.. كل وسائل التواصل والتفاعل ما ذكرت ومالم أذكره هي ملكنا، تحت تصرفنا، نستخدمها.. ومع ذلك نحن أمة الشتات، أمة التيه، أمة الضياع والتشرذم، أمة النكوص والخذلان، وهل يعني التيه غير الذي نحن فيه..؟!.‏

العالم كله صار قرية واحدة، ونحن كل قرية عندنا تحاول أن تتشظى لتصبح حسب زعمها قارة، ربما كل حارة رفعت راية وشكلت قيادة وظنت نفسها امبراطورية لا تغيب الشمس عن حدودها بينما تسمع سعال أحد مرضاها ولو كان في أقصى حدودها..‏

إعلام وكتاب مأجورون يسيل حبرهم الحاقد سماً زعافاً أمام رنين الدولار.. يذهبون ينبشون في تاريخ منسي لا أحد يعرف من زوّره وفبركه، يتهمون هذا وذاك ويصنعون أمجاداً لسلالات ليست إلا مستحاثات.. قنوات فضائية مشغولة بفتاوى التكفير والتحريض الطائفي.. ومديروها وممولوها مشغولون بأفلام المتعة الرخيصة ولمن يتوجهون إليهم أن يتابعوا فتاوى الأحقاد.‏

صحف ومجلات عربية كانت تصل إلى كل عاصمة عربية فور صدورها أول كل اسبوع أو شهر دون تردد دون رقيب والآن حتى مجلة اسمها (العربي) يمنعها الأشقاء الكويتيون من الوصول إلى دمشق.. هذه مثال وليست كل شيء ولا يعني أننا سنغط في سبات وجهل عميقين إذا لم تصلنا.. لكننا أردناه مثالاً..‏

رحم الله نجيب جمال الدين حين قال:من مطلع الشمس إلى مغربها أمتي فرقة بدد..‏

ما الذي جعلنا ممسوخين هكذا..؟! كائنات أعيدت صياغتها، نعم كائنات لا بشر، إلى كم عالم نفس وتربية وباحث اجتماعي نحتاج لنعرف أين نحن.. وما الأسباب وكيفية الخروج من أتون جحيمنا ومن قفص اعتقالنا.. ومن أسر جاهليتنا...؟!.‏

كان القدماء يقولون: الفقر نعمة.. فالفقير يسعى ويسعى لأن يصل إلى سدة العلم والمعرفة، تبقى جذورها مهما علت مشدودة إلى أرضه ووطنه وقومه آماله وآلامه هي من وجدان الشعب الذي خرج منه.. أفسدتنا الثروة.. أفسدتنا وسائل البطر والترفيه وهي صنعت لغير ما نستخدمها له..‏

المليارات أحالت من انهالت عليهم إلى.. ليتهم بقوا يرعون الجمال ويصطادون الضب ويقفون على طريق محمل الحج الشامي يتسولون كسرة خبز أو عنقود عنب ولم تنزل الثروة عليهم هكذا ليبددوها على نزواتهم ورغباتهم وتنفيذ مؤامرات الآخرين وليتفجروا حقداً على من كانوا يأتون إليه في رحلة الصيف أو الشتاء..‏

نعم قالوا: الفقر نعمة .. وقالوا أيضاً.. احذر الفقير إذا شبع.. والفقير هنا فقير العقل والمعرفة والأخلاق.. إنه عصر ممالك الأعراب وسلالات تأبى أن تنقرض قبل أن تفني الأمة معها.. لكنهم بالتأكيد واهمون.. واهمون..‏

d.hasan09@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية