تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فـي دور المثقفين..!!

الافتتاحيــة
الخميس 20-9-2012
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم

ندرك مسبقاً أن الحديث عن دور المثقفين يظل حديثاً مفخخاً، وسيكون هناك بالضرورة تباينٌ في الموقف، وربما في التقييم، بحكم أن الصورة الافتراضية قدمت قدراً كبيراً من التوهم حول ذلك الدور

، ومن ثمّ أبعدتهم أو حيدتهم عن سياق التفاعل مع الوقائع .‏

ومع ذلك لنعترف بأن هذه الصورة ليست ناتجة فقط عن انطباعات مرحلية، وإنما هي نتاج تراكم أفضت إليه المقاربات المتتالية التي توصلت إليها، بحثاً عن ضوء في نفق بدا للكثيرين أنه أطول من قدرتهم على التحمّل، وفي أغلب الأحيان أبعد من منظور محاكماتهم الأولية، التي بدت لبعض الوقت أنها صدى لواقع تتماثل فيه الأدوار وتكاد تتطابق.‏

لا نعتقد أن أحداً، مهما كان موقعه داخل الطيف الواسع والفضفاض الذي شكله الموقف من دور المثقف، يستطيع أن ينكر الإحجام الحقيقي لدى قسط وافر منهم عن التفاعل مع مجريات الأحداث والتطورات، وكان في أفضل حالاته نموذجاً لمبادرات فردية لم تُنتج ذلك المطلوب على مستوى المؤسسات التي يؤمن بحضورها المثقف، وفي معظم الأحيان أفضت إلى خصام واضح بين ما قدمته هذه المبادرة بصفتها الفردية وبين المطلوب على نطاق المؤسسة.‏

ويبقى الأخطر والذي يشكل غصّة حقيقية أن المساهمات التي بُنيت على تلك المبادرات لم تتحرك أبعد من نطاق الآني المحكوم بظروف مرحلية أملت شروطاً غير طبيعية، ودفعت إلى تبني سياسات وأحياناً مواقف لا تعكس في مجملها ما يخدم دور المثقف الذي بدا في أغلب الأحيان صامتاً سلبياً, رغم يقينه بأن الصمت في المواقف المصيرية والمعارك الوجودية لا يمكن تصنيفه تحت أي ظرف بأنه حياد بقدر ما يندرج في إطار التخلي عن الدور الريادي الذي صنعته الصورة الوجدانية التي اعتدنا على الأخذ بها للحكم على الأدوار والفاعلية والتفاعل.‏

ما هو محسوم منذ البداية، أن التخلي عن الشعارات بدافع «الواقعية» وحتى المواقع الريادية، وابتعاد المثقف عن تلبية احتياجات دوره، واتساع المساحة الفاصلة مع تراجع الفاعلية، كان أحد الأسباب التي وقفت خلف حالة الاختطاف التي تعرضت لها شعاراته قبل غيره، وإلى اختطاف دوره المناط به، والأصعب أنه مع الاصطفافات السياسية التي ارتفعت على ركام جهده المبعثر لم تترك له ضمنها حتى موقعاً شرفياً.‏

وازدادت غربته مع تراجع الأدوار الرديفة التي اعتاد المثقف أن يتكئ عليها لترميم الثغرات التي تنتج، وفي بعض الحالات غياب فاعلية المؤسسات الحاضنة له ولدوره والمحفزة لتفاعله مع محيطه ومع الأحداث.‏

والواضح أن التطورات سبقته بخطوات، في حين ظل ينتظر مبادرات مؤسساتية لم تأتِ أبداً، وحين جاءت كان الوقت متأخراً والمساحة الفاصلة بات من الصعب ردمها، لأنها كانت مملوءة بما علق بكرة الثلج التي تدحرجت وهو في موقع الانتظار، أو في دور الحياد الذي لم يكن قادراً ولا مقنعاً المكوث فيه، أو التمترس خلفه كي لا يسجل اصطفافه المطلوب قبل انقشاع غبار المعارك الوجودية التي نشبت على ما يبدو وهو غارق في حسابات الانتظار.‏

يقيننا أن دور المثقف الذي نأمله لم يفت الوقت لتدارك ما علق به، وما ذهبت به حالة الانتظار تلك، أو ما تآكل منه بفعل الصمت، ودليلنا أن المبادرات المحدودة أو الفردية أعطت نتائج تحاكي أو ترتقي في بعض مظاهرها إلى مستوى التحدي في الكثير من الجوانب، ومن ثمّ فإن البناء على تلك النتائج يمكن أن يخدم التوجه الحقيقي للعودة بدور المثقف، و في استعادة ما سُرق منه من شعارات ومصطلحات ومقولات ومساهمات.. هي له، وتحديداً ما يتعلق منها بالبعد القومي والوطني المبني على أساس ذلك الوجود، وصولاً إلى القضايا الوجودية والمصيرية التي لا يمكن أن تكون وجهات نظر ولا تحتمل موقفاً ملتبساً أو متلوناً.‏

واستعادة هذه المصطلحات والمقولات حتى تلك التي اتهمت بالخشبية قد تكون الأولوية الملحة، كما تُشكل بوابة النهوض بدور المثقف، وخلق المواءمة التي يحتاجها ليصل في نهاية المطاف إلى تفعيل موقعه الريادي في محاكاة ما تتطلبه المواجهة من أدوات لا تغيب عن ذهنه، ولا هي بعيدة عن متناول يده.‏

وباليقين ذاته نحتاج في قراءة دور المثقف إلى المراجعة التي نحتاجها مع سائر الأدوار وإن كانت أكثر إلحاحاً من سواها، وأكثر ضرورة في ظل موجة عاصفة من الحروب المنصبّة في جوهرها على النيل من مُسلمات هذه الأدوار باختلاف مواقعها ومساحات تفاعلها.‏

ما ننتظره من المثقف يختلف جذرياً إلى حد التناقض مع الموقع الذي انتظر فيه، وما نحتاجه عودة إلى الأوراق التي تخلى عنها طواعية أو ترغيباً، وحينها يكون لانتظارنا ما يبرره أو ما يحاكي جزءاً على الأقل مما نحتاجه في عالم يحاول السطو على رموزنا ورمزية وجودنا ولا يتردد في اقتناص الفرصة ليتاجر بدمنا.. فكيف هو الحال مع أفكارنا ودورنا؟!!‏

a.ka667@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية