|
قراءة في الصحافة الإسرائيلية فان زلة لسان أولمرت حولت الدولة إلى قدر يغلي . ليس من الحسن أنه قال ذلك, وليس مهما الانقضاض عليه وعلى قوله. إذا كانت دولة إسرائيل تتسلح بقنابل نووية إلى جانب ما سببته زلة اللسان هذه في أضرار قومية كبيرة أولها:الضرر القومي تجسد من خلال السرعة التي تبنى فيها الإيرانيون العناوين التي نشرت في إسرائيل وحاولوا من خلالها حرف الأنظار عن الضغط الممارس عليهم في موضوع الذرة, مُسلطين الأضواء على إسرائيل. ما قاله أولمرت جاء في توقيت ليس هناك أسوأ منه(. بمعنى أن إسرائيل ستكون ضعيفة جدا بعد الآن في تسويق مزاعمهما بأنها :لن تكون البادئة في امتلاك أسلحة نووية في الشرق الأوسط وستفتح الأبواب أمام سباق تسلح نووي في المنطقة ومن جانب آخر سيكون منطقها ضعيفا جدا أمام المنطق الإيراني الذي يؤكد على حقه في امتلاك تكنولوجية نووية لأغراض سلمية في نظر رون يشاي في يديعوت أحرنوت. الأهم من ذلك هناك من يقول أن زلة لسان أولمرت جاءت على خلفية استشعار المؤسسة العسكرية وكذلك الأمنية الإسرائيلية مؤخراً بعدم قدرة الولايات المتحدة في إقناع مختلف الأطراف ذات الصلة بالموضوع للعمل وفق تصورات الإدارة الأمريكية , وخاصة الدول الأوروبية الثلاث, ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. إضافة للمواقف الروسية والصينية المتباينة إلى حد كبير مع التصورات الأمريكية وبالرغم من اقتراب مواقف الدول الأوروبية الثلاث المذكورة إلى موقف الإدارة الأمريكية وبالتالي موافقتها على نقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن . هذا الاستشعار دفع بصناع القرارات في إسرائيل للحديث علناً حول إمكانية إتباع الخيار العسكري ضد البرنامج النووي الإيراني, وارتفع هذا الملف إلى رأس سلم الأولويات الاستراتيجية الإسرائيلية لحكومة شارون وأولمرت من بعده. بلغ الأمر بالعديد من قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بالحديث علناً حول الخيار العسكري الإسرائيلي( فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني, في وقت دعا فيه )إفرايم هاليفي مسؤول الموساد الإسرائيلي سابقاً ومن واشنطن :( الولايات المتحدة وإسرائيل المسارعة في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية قبل أن تتمكن إيران من الوصول إلى نقطة اللاعودة. وصار الحديث عن الخيار العسكري الإسرائيلي يأخذ أبعاداً ملموسة لدى معظم المحللين العسكريين والاستراتيجيين الإسرائيليين ولدى غالبية مراكز البحث والدراسة ذات الصلة بالمؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيليتين .وإلا ما ذا يعني قول غيورا يلاند رئيس مجلس الأمن القومي السابق : بان مجرد امتلاك إيران أسلحة نووية يعني نهاية الوجود الإسرائيلي? نداف ايال في معاريف يرى في زلة لسان أولمرت أكثر من سبب أهمها تدني شعبية أولمرت وانه يحاول البحث عن ميزة الاصالة التي اتسم بها من اسماهم هذا الكاتب بجيل الزعماء الأوائل : إن زلة لسان أولمرت في الأسبوع الماضي أكثر كثيرا من زلة لسان; من يريد أن يتبين فيها سببا جوهريا لعدم شعبيته, بل وأن يُفسر ميزة الزعامة التي يبحث الإسرائيليون عنها.لا يحب الجمهور أولمرت. انه يحصل على نسب تأييد مَتدنية جدا. سيحاول مقربوه عبثا تعليق الذنب على أداء عمير بيرتس في عمله كوزير للدفاع, وبالوضع الأمني الأعوج أو بالإحساس بالجمود السياسي. وُجد هنا رؤوساء حكومة مع وضع أمني أصعب ووضع سياسي أكثر جمودا. الاغتراب عن أولمرت قضية أعمق, تتصل بما يوحي به, أو الأصح - بما لا يوحي به .....ويضيف هذا الكاتب قائلا : وُجد هنا جيل, في إسرائيل, فُرضت عليه الأصالة بقهر الظروف. لا يمكن إقامة دولة أو الانتصار في حرب وجودية إذا لم يطور تصورنووي حذر, ومتزن ومتعمق. الذي كان شامير, ورابين وشارون ممثليه البارزين, دون ارتجال لغويا أو نظريا. من جهته يصف عوزي بنزيمان في هارتس زلة لسان اولمرت النووية استعراضا يقوم به سياسي هاو : في الشهر الماضي توجه اولمرت لزيارة الولايات المتحدة, وخلال طريقه نحو غايته المقصودة تفوه بالتصريح التالي حول الذرة: في مقابلة مع نيوز ويك( قال بأن على طهران أن تبدأ بالخوف لأن إسرائيل تملك خيارات كثيرة لمواجهة التهديد النووي الإيراني. اولمرت أدلى أيضا بتصريح للصحفيين المرافقين له في رحلته بأنه إذا خافت إيران فستصبح لديها دافع للتنازل عن مشروعها النووي. وفي خطابه أمام الجالية اليهودية في لوس انجلوس صرح بأن إسرائيل لن تتحمل وضعا يصبح فيه لدى إيران سلاحا نوويا ويضيف الكاتب ويقول : حتى في ظل الظروف التي خرجت فيها الرسالة على لسان رئيس الحكومة تظهر زلة اللسان في صورة محكمة الإخراج: كبوة من الرئيس. المواطنون المتفائلون قد يعتقدون أن مقود السفينة التي يُبحرون على متنها موجود في أيدي أمينة, وأن الطريقة التي يخرج فيها المارد النووي من زجاجة التعتيم والغموض, تتم بناء على دراسة معمقة وإثر نقاشات هامة جدا في إطار الدوائر ذات العلاقة في هذه المسألة الحساسة. وأن الصيغة التي تم اختيارها لذلك تشير إلى فطنة وحكمة كبيرتين: الإشارة إلى كون إسرائيل دولة نووية والتنصل من ذلك في نفس الوقت, أحدث صدعا في جدار التعتيم النووي وإبقائه مع ذلك قائما على حاله. الصعود بدرجة في سلم التحذيرات الموجهة لإيران والبقاء في مستوى الردع القائم السياسة الرسمية الإسرائيلية في مجال التعتيم النووي لم تتغير, كما هو معروف, وهي تواصل التصريح بأنها لن تكون أول من يُدخل السلاح النووي إلى المنطقة.أضف إلى ذلك أن الجهود الدولية التي تُبذل الآن لكبح تطوير السلاح النووي الإيراني تعتمد في السياق على هذا الموقف الإسرائيلي, وليس من مصلحة إسرائيل, أن تعرقل هذه المساعي. كان من الممكن الاعتقاد أن زلة لسان أولمرت ترمي إلى حث الأسرة الدولية على تكثيف مساعيها لردع إيران عن مواصلة إنتاج البلوتونيوم, إلا أن هذا الافتراض لا يتساوق مع الإدراك العالي أصلا من قبل أوروبا وأمريكا لهذه المسألة(. ثم يستنتج عوزي بنزيمان ويقول :( من يرغب في معرفة الضرر الذي تسبب به أولمرت, إذا أخذنا في الحسبان معرفة العالم أصلا بقدرات إسرائيل النووية, عليه أن يطلع على تصريحات البروفيسور يئير عبرون, المختص المعروف في هذا المجال. عبرون يقول إن سياسة التعتيم النووي دفعت الدول العربية للتسليم بوجود المارد في القمقم الإسرائيلي. وهي أيضا تسهم في كبح إسرائيلي داخلي في مجال الذرة: الأجهزة الإسرائيلية المسؤولة عن ذلك تعمل من خلال الافتراض بأن هذه القدرة لن تُستخدم بالمرة, وأنها موجودة من اجل الردع فقط. تغيير مستوى التصريحات قد يُضعف هذا السد المانع.الاستنتاج المترتب على ذلك: الجمهور لم يشاهد في هذا الأسبوع مناورة سياسية حاذقة وإنما استعراضا هاويا آخر من عروض رئيس الوزراء. الصحافي رافي مان في معاريف يعتقد بان أولمرت ليس المسؤول الإسرائيلي الأول الذي يلمح حول امتلاك إسرائيل للأسلحة نووية , فقد سبقه البروفسور بيرغمان أول مسؤول عن لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية عام ,6891 وبعده افرايم كاتسير( رئيس الكيان الصهيوني( عام 1992 وشمعون بيرس عام 1996.:( ليس أولمرت أول من يتورط بسبب تعبير من الفضول عن ديمونا. قبل 32 سنة كان ذلك الرئيس البروفيسور افرايم كتسير الذي قال لمراسلين أجانب: )لإسرائيل قدرة ذرية(. أليس هذا مقلقا, سأله أحد المراسلين, وأجاب كتسير: )لماذا يجب أن يقلقنا هذا? ليقلق العالم(. في 1984 كشف وزير العلوم آنذاك, البروفيسور يوفال نئمان, شيئا آخر, عندما قال في الولايات المتحدة, إن إسرائيل لها بنية تحتية ذرية لإنتاج قنبلة. لكن إذا استثنينا عددا من الأقوال الشاذة, حرصت إسرائيل على التمسك بالصيغة التي استحدثها في بدء الستينيات شمعون بيرس وهي أن )إسرائيل لن تكون أول من تدخل السلاح الذري في الشرق الأوسط(. ويضيف هذا الكاتب أن لمثل هذه التلميحات تأثيرات مباشرة على إسرائيل :( إن فلتة اللسان الذرية ستؤثر في علاقة مواطني إسرائيل باولمرت أكثر كثيرا من وضعنا الاستراتيجي. أن الأقوال التي قالها لشبكة التلفاز الألمانية, وتصريحات التوضيح التي صدرت في أعقابها من ديوانه, لا تبشر بتغير سياسة الغموض, التي فحواها أن إسرائيل لن تعلن على رؤوس الأشهاد بأنها قوة ذرية.قبل أقوال أولمرت, وبعدها أيضا, يجب أن نتذكر أن الغموض غير مخصص لمنع العالم أن يعرف ما يحصل في ديمونا, ولإحباط الضغط الدولي أو لخنق الجدل الداخلي حول السلاح النووي. من يرد أن يعلم ماذا يمكن أن يُرى من ديموناا( نواة الفعل الذري في إسرائيل(, فانه يستطيع أن يقرأ مرة أخرى ما كشفه مردخاي فعنونو في صحيفة الصاندي تايمز, وان يدخل مواقع الانترنت, حيث يفصل الموضع الدقيق للقواعد التي تحفظ فيها قنابل إسرائيل وصواريخها, أو أن يقرأ الكتاب الجذاب للدكتور افنير كوهين (إسرائيل والقنبلة). وقبل أقوال أولمرت أيضا, تحاول مصر منذ سنين, بمساعدة فرنسية حماسية أحيانا, وفي محافل دولية اتخاذ قرارات تتصل بالأخطار الكامنة في ديمونا على سلامة الشرق الأوسط. ويخلص هذا الكاتب إلى القول :( إن أساس سياسية الغموض النووي الإسرائيلي تم الاتفاق حولها بين إسرائيل وواشنطن. تقررت على أساس التفاهمات التي تم التوصل إليها في ,0791 بين الرئيس ريتشارد نيكسون وغولدا مئير, وبذلك تشكلت قواعد اللعبة التالية:( طالما أن إسرائيل تحتفظ بر )قنبلة في المستودع( فقط ولا تعلن عن ذلك على رؤوس الأشهاد , فان الإدارة الأمريكية لن تطلب منها أن تنضم إلى ميثاق منع انتشار الأسلحة الذرية, وان تفتح أبواب ديمونا للرقابة الدولية ). |
|