|
شؤون ثقا فية خاص اقامه في منزل اسرته في الحريقة بمدينة دمشق, قبل ان يتجاوز الخامسة عشرة من عمره, وجسد فيه سحر المشاهد المحلية بشكل واقعي اقرب الى الصورة الفوتوغرافية. ولقد وجد نقطة الانطلاق الفعلية بعد ان لمس التشجيع المطلق من والدته على سلوك طريق الفن وكان في سنوات طفولته الاولى, قد استشف منها ايقاعات النغم الموسيقي, حين تدرجت الوالدة من عازفة على العود الى عازفة بيانو. ويشير غازي الخالدي في بعض مقالاته , الى ان والدته ساهمت الى حد بعيد, في دفعه باتجاه دراسة الفن في القاهرة, وكان لها الفضل الاول في رعاية موهبته وايصاله الى مرحلة البروز والتألق لا سيما بعد رحيل والده المبكر في عام ,1962 ويضيف : بأن اسرار حياته الاولى لم يبح بها إلا ( للماما). غازي الخالدي غاب كفنان وناقد تشكيلي رائد في اوج النشاط والحيوية, حيث يمكن اعتباره حتى اللحظات الاخيرة, احد اكثر الفنانين التشكيليين تواجداً في المعارض والندوا ت والمحاضرات والمؤتمرات والصحف والمجلات والاعلام المرئي والمسموع. ولقد اقام مجموعة واسعة من المعارض الفنية المنفردة في العديد من المدن والعواصم العالمية ورشح من قبل ا لدوله لنيل جائزة اليونسكو في الفنون خلال عامي 92 و94 الى جانب اختياره عضواً في مجلس الاتحاد العالمي للفنانين التشكيليين للاتحاد الاوروبي. كما دخلت بعض لوحاته العديد من المتاحف وحاز على مجموعة من الجوائز وشهادات التقدير. ولقد اصدر مجموعة من الكتب الفنية التحليلية, كما دخلت بعض مؤلفاته ضمن المناهج التعليمية الخاصة بطلاب المعهدين العاليين للمسرح والموسيقا, الى جانب نشاطه في التدريس الفني الجامعي, ومساهماته في تأسيس العديد من الاتحادات والنقابات من ضمنها نقابة الفنون الجميلة واتحاد الكتاب العرب واتحاد الفنانين التشكيليين العرب. ولقد انجز العديد من اللوحات الجدارية البانورامية الكبيرة, ومثل سورية في العديد من المؤتمرات العربية والدولية وشغل منصب نقيب الفنون الجميلة , وعمل في منظمة طلائع البعث حيث امتلك خبرة في مجال التعامل مع الاطفال من المنطلقات التربوية الحديثة. ويأتي رحيله بعد ان حقق حلم حياته بصدور كتاب ( الخالدي 1950-2000) بايعاز من اتحاد الفنانين في الاتحاد الاوروبي وبتفويض من مؤسسة هديسون للطباعة والنشر في لندن, وهو يقع في 300 صفحة من الحجم الكبير ويوازي في اخراجه وطباعته اجود الكتب الفنية الاجنبية ويتضمن ذاكرة التجربة الفنية والكتابات والصور الوثائقية التي تمتد الى 65 عاماً في بعض الاحيان حين كان غازي الخالدي في الخامسة من عمره. فالصور الضوئية المنشورة تعيدنا الى زمن الابيض والاسود انها صور مأخوذة من ألبوم شجرة العائلة, وبعضها الآخر مأخوذ من معارضه, مع شخصيات سياسية واعلامية وفنية وادبية بارزة, وتعتبر بمجموعها بمثابة مدخل وثائقي يلقي اضواء على نشاطاته حسب المفاصل المختلفة. فالكتاب يظهر كوثيقة فنية تنقلنا مباشرة الى تفاصيل حيوية لذكريات السيرة الفنية والذاتية, حيث المواقف الصريحة تجاه الفن والحياة والمجتمع والسياسة ولقد جاءت الكتابات باقلام مجموعة من النقاد والفنانين والادباء, من ضمنها دراسة نقدية تحليلية مطولة كتبها فرانسوا بيريجيرك استاذ النقد وعلم الجمال في جامعة السوربون. والكتاب بهذا المعنى يشكل مدخلاً للأجيال القادمة, لأنه خلاصة لتجربة ومعاناة وكفاح فنان اعتبر الفن رسالة وبأن اهم حدث ثقافي واجتماعي في حياة شعب, هو قيام نهضة فنية فيه . كان غازي الخالدي يذكر باعجاب استاذه الفنان الكبير الراحل حسين بيكار, الذي دفعه نحو المزيد من المثابرة والمغامرة والبحث الجدي, ولقد افسحت له دراسته الاكاديمية في القاهرة المجالات الشاسعة لرحلة الكشف التلقائي عن الافكار التشكيلية, التي كانت تحمل تطلعات الحداثة ضمن اطار الواقعية التعبيرية احياناً والواقعية الرمزية احيانا اخرى.وحين استعاد في لوحاته مجد اللمسة اللونية التلقائية او العفوية توصل الى لونية محلية متوهجة مختزنة في ذاكرته البصرية كان همه في جميع مراحله , البحث عن البحور اللونية الشرقية وهنا تبرز نقاط الالتقاء والاختلاف عن المناخ اللوني الاوروبي. فاذا كانت الاتجاهات التعبيرية والوحشية لما بعد غوغان وماتيس وفلامنك ودوفي قد قدمت له الحرية التعبيرية في معالجة اللمسة او المساحة الجانحة في احيان كثيرة نحو التسطيح فإن المناخ اللوني الشرقي قد قدم له الوهج والبريق الضوئي فقد كان في لوحاته الحديثة, يجسد الاحياء والبيوت القديمة والوجوه والعاريات والخيول والمناظر الطبيعية والريفية والاشكال الصامتة ضمن صياغة تشكيلية تتفاوت بين الواقعية الجيدة والتعبيرية والوحشية والرمزية. . وكان على الدوام بمثابة الزاهد المأخوذ ببريق الالوان المحلية والاجواء الشرقية التي بلورت تلقائيته وعفويته وساعدته على تحقيق الانفلات المبكر من قيود المنظور التسجيلي التقليدي فاللون الاحمر على سبيل المثال كان يضعه على سطح اللوحة بعنف وحشي واضح, الشيء الذي يؤكد نبض الحياة الشرقية التي تعصف وبشكل ملتهب في لمساته اللونية بحركاتها العنيفة والصارخة. وفي جميع مراحله الفنية بقيت العمارة الدمشقية القديمة والطبيعة المحلية مطبوعة في مخيلته وظاهرة في لوحاته فهو لم يقدم لنا لوحات تجريدية اوروبية, وانما قدم لوحات مرتبطة بهاجس تراثي وبيئوي وتطلع حيوي نحو الاستعانة بالرموز الوطنية والقومية. فالرموز التي اعتدنا على رؤيتها في لوحاته ترتقي الى مستوى اللغة الفنية المناضلة المعبرة عن وجدان الشعب وضمير الثورة فالمرأة العارية المجسدة في بعض لوحاته هي رمز الارض المقهورة والمستباحة . اما الحصان فيجسد انطلاقة الثورة مع الجماهير العربية.وغازي الخالدي لم يكن فقط رسام الاشكال الرمزية الجمالية الحية وكان قبل كل ذلك صاحب اللمسة اللونية الملتهبة التي تحولت في خط تصاعدي او تطور روحي نحو اللونية المحلية التي اتخذها وكمنطلق حيوي للتملص ولو بشكل جزئي من تأثيرات الثقافة التشكيلية الفرنسية التي تركت اثرها الواضح والمباشر على كل النتاج العربي المعاصر. هكذا ازدادت قناعته يوماً بعد آخر, بضرورة التعلق بالوهج اللوني الموجود في حياتنا اليومية او في المشهد المحلي العام . وهو في لوحاته يبقى على ارتباط بالواقع والصورة حتى حين يصل الى حدود التبسيط والاستواء اللوني بحيث يمكننا الحصول على مساحات لونية تجريدية في المقطع الواحد او في المساحة الواحدة من لوحته التعبيرية . |
|