تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الطب النفسي عند الأطفال

آراء
الاربعاء 27/12/2006
د. هيفاء بيطار

لا تزال شريحة كبيرة من الناس تحس بالخجل حين تقصد طبيباً نفسياً , بل ان قسماً كبيراً من الناس يفضلون السرية ,

خوفاً من أن يوصموا بالجنون .‏

وإذا كان الطب النفسي لدى الكبار يعاني من معوقات اجتماعية بسبب تخلف العقلية الاجتماعية , واعتبار المرضى النفسيين مجانين فان الطب النفسي عند الأطفال مغيّب تماماً , ونادراً ما نجد الأهل أو المسؤولين التربويين يتوجهون إلى الأطباء النفسيين لتقييم سلوك أطفالهم ...‏

من الخطأ الاعتقاد ان ضغوط العصر واحباطاته تؤثر على الكبار فقط , لأنها في الواقع تؤثر أكثر بكثير على الأطفال , لأنهم لا يملكون وسائل دفاع لحماية نفوسهم من الأذى والتوتر , كما ان كل احباطات الكبار ومشاكلهم تنعكس مباشرة على الأطفال .‏

للأسف مهما كان سلوك الطفل غريباً وشاذاً , فان الأهل لا يفكرون باللجوء إلى الطبيب النفسي , اعرف طفلاً في التاسعة من عمره هوايته أن يصطاد قططاً صغيرة ويضعها في قطرميز من زجاج ثم يُحكم إغلاقه ويتفرج على القطة كيف تختنق ببطء وهي تخرمش الزجاج مستنجدة عطفاً مفقوداً ...‏

ويحلو للطفل ذاته أن يلف ساعده بقماش سميك ثم يهيّج الكلاب الشاردة , لتعض ساعده وينهال ضرباً على رأسها ! أهل الطفل يبتسمون لتصرفات ابنهم ويعلقون عليها بأنها ولدنة طفولة !!‏

أعرف مراهقة في الرابعة عشرة من عمرها , تنهار كل مرة قبل الامتحان تبكي لساعات, وترتعش من الخوف , لدرجة انها كثيراً ما تتبول لا ارادياً من خوفها ... وتعليق أهلها أنها اضطرابات مراهقة عادية ...‏

كم من المراهقين يعانون من الشراهة غير العادية , بما تعني الشراهة من حرمان عاطفي ... كم من المراهقين يعانون من الخجل والانزواء ...‏

كل تلك العلامات والأعراض تعتبر عادية ... كما لو انها صفات طبيعية للمرحلة الحرجة : المراهقة ...وللأسف تحوّل الدور التربوي للأهل إلى ما يشبه دور الشرطي فلا يخاطبون أولادهم إلا بلهجة الأمر : ادرسوا , اقفلوا المذياع , استيقظوا , ناموا , كلوا ... فهذا العصر المشحون بالتوتر والتسارع , لا يترك مجالاً للأهل للاسترخاء والتفرغ للعملية التربوية, ولإقامة جلسات حوار هادئة ومثمرة مع أولادهم .‏

ان السلوك المتطرّف للمراهقين والأطفال يحتاج لطبيب نفسي حتماً , لأن السلوك الشاذ لدى الأطفال دليل انحراف في الشخصية , وسوف يتطور بالتأكيد إلى أشكال إجرامية في مرحلة الشباب , يكفي أن نتذكر ان كل المجرمين كانوا ذات يوم اطفالاً , ولو وجدوا من يقوّم سلوكهم وقتها لما وصلوا إلى الإجرام ...‏

يجب ألا يتردد الأهل , ولا المسؤولين التربويين بطلب المساعدة من الطبيب النفساني, بل يقصدونه مرفوعي الرأس لأن هذا دليل وعي وتفهّم عميق لنفسية الطفل .‏

ويؤسفني أن اختم بنتائج تقرير منظمة الأمم المتحدة عن تزايد العنف عند الأطفال والمراهقين في كل أنحاء العالم , ويعود السبب الرئيسي لكمية العنف الهائلة في التلفاز, من نشرات الأخبار التي تعرض لمرات عديدة مشاهد عنف وقتل ودماء تقشعر لها الأبدان, والأطفال يتفرجون عليها , إلى أفلام العنف والإجرام ... حتى أفلام الكرتون صارت تضم جرعات عالية من العنف ...‏

وقد بين د . مصطفى حجازي في كتابه الرائع (حصار الثقافة بين القنوات الفضائية والدعوات الأصولية ) كيف ان مشاهد العنف تتراكم في اللا وعي عند الإنسان , وكيف انه يصير رغماً عنه شرساً وعنيفاً في تعامله مع الآخرين وبصدق اعترف أنني لمست ذلك في الواقع حولي , إذ لم يسبق لي ان عاينت مشاكل مراهقة عنيفة ومخجلة كما رأيت في السنوات الأربع الأخيرة ... هل يعقل ان شجاراً في مدرسة إعدادية يجعل مجموعة من التلاميذ المراهقين يضربون زميلاً لهم على ظهره لدرجة تؤدي إلى تمزق كليته !!‏

لنجعل اولوياتنا الأطفال ... لأنهم المستقبل .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية