تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأقلام البائرة والصفحات الخصبة

آراء
الاربعاء 27/12/2006
أمير سماوي

من الممكن القول أن الكاتب العربي قد تخلى أو تخلص من تنمية البنية النفسية التي تؤشّر إلى تعلقه بقضايا وطنه,

وربما قد يكون في حالة من الإحباط المريب والذي قد يقعده عن الكتابة والبحث في المضامين الكثيرة والتي هي وقائع عظيمة تخوضها الأمة وهنا يكفي أن أذكّر بما جرى في فلسطين في العقد الأخير وما يجري في العراق منذ أكثر من ثلاث سنوات وما جرى في لبنان خلال الصيف الماضي..‏

فثمة ملاحم بطولية لم يسبق للإنسان العربي المعاصر أن سطّرها أو شهدها وهي تدل على طاقة جبارة تفجرت في وجه الإحتلال على شكل مقاومة تنتج الآن اعترافا عالميا بانتصاراتها المدهشة, وكأن عنصر الإلهام للكتابة توقف قليلا أو كثيرا من الوقت ليفسح المجال أمام الكتّاب إما ليستردوا وعيهم الذي فقدوه بتوجهاتهم الجديدة نحو العدمية والعبثية والوجودية والاستغراب الدائم متأثرين بمفاهيم مغلوطة نتيجة تعاملهم الظاهري مع الثقافة العالمية حيث أخذوا بما يُترجم لهم من بدايات التجارب التي ثبت أنها كانت فاشلة أو غير منتجة إبداعيا على مستوى الثقافة الأوروبية, فمثلا لا قيمة إبداعية كبيرة لكل من مدارس التكعيبية والدادائية والسوريالية ولا للمذهب الوجودي الذي أسسه الفيلسوف والأديب الفرنسي ( سارتر ) ولا للمذهب العدمي الذي رفده ( فرانز كافكا ) ببعض القصص والروايات, وهنا أبين إلى أن الكثير من الكتاب العرب لا يزالون متتبعين لثقافة هذه المدارس وغير متابعين للثقافة الغربية الحديثة, والتي حققت الكثير من النتاجات الإبداعية المهمة, ولكنها بعيدة عن العودة إلى فكر تلك المدارس التي لم تعد موجودة والمضرة بحيوية سيرورة السياق الغزير الحركة مما جعل من الأدب الغربي عموما يسير وفق رؤية الحياة الجديدة المتسارعة الخطى والتي خلقت فضاءات كتابة انتمت للغة الحياة بعيدا عن أثر الأحداث مهما بلغت في توترها المأساوي أو تصاعدها الدرامي, وإن كان الأدب الأوروبي الحالي يخوض في وصف مشهدي لجماليات تفاصيل الحياة الحالية وتعقيداتها وانعكاسها المباشر على الوجود الروحي للإنسان وتأزماته مجهولة المصائر, وكأن الأدب يواكب تحولات الأيام وانقلابها على بعضها واختلافها المحدود في حالة من الروتين والركود العام على صعيد تناقضات الحياة الشخصية لكل كاتب 0‏

ولأن الإنسان العربي يستخدم ويقتني ويمارس ويعيش في نفس الطقوسيات, حيث الثروة النفطية جعلت حوالي نصف العرب تحت رحمة إغواءات لا تحصى فأفقدتهم عقولهم وأصبحوا سجناء حاجاتهم الهضمية والجنسية والترفيهة وخاضعين لإغراءات رسائل SMS والأبراج وفضائيات الكليبات ما يتفرع عنها مما أنشىء لامتصاص المقدرات المادية لكل فرد من خلال الجوائز الكاذبة وجعله في تبعية نفسية لمقاصدها المشبوهة بتعليقه في عدد لا يحصى من المكالمات الهاتفية, ونفس الحالة ولكن بشكل أسوأ كانت قد حلت بأغلب الكتاب العرب حيث لا يزال أغلبهم فقراء ماديا ومعرفيا ولم يروا بأمِّ أعينهم التي غادرها القلق الإبداعي ما يحدث من وقائع عربية مذهلة ينجزها أفراد وجماعات من العرب, حيث يتفننون ويبدعون النماذج الحديثة غير مسبقة الصنع في كيفيات مقاومة الاحتلال وإذلاله, فراح يعترف الآن بهزائمه ويطلب نجدة من يغيثه على الرغم من الأرضية الخصبة والمساعدة له والتي هيأها البعض من العرب وبما فيها ذلك الكم الوفير من أقلام الكتاب الذين تحولوا ليصبحوا محللين سياسيين إمعانا منهم في إشاعة أجواء اليأس والإحباط والهزيمة في نفوس شعبهم بدل تحريضه على المقاومة والتنبّه لحقيقة الصراع مع عدوٍّ يمنع العرب من التقدم والنظر الصحيح إلى مستقبله كي ينهض وبإبداعاته كافة ليشارك في صياغة الحضارة الحديثة مضيفا إليها خصائص بيئته الروحية والعقلية والتاريخية, حيث من الممكن أن يصبح بذلك ندّا, ومع تأكيدي بأن هذه الحروب قامت لمنعه من تحقيق نديته ?‏

وبالعود على البدء, كانت كل واقعة أو حدث في بلاد العرب تثير كمًّا هائلا من الكتابات فمثلا هزيمة حزيران عام 1967 حرضت‏

كل من كتب بالعربية ليبكي ويندب ويتوجع وليفرج عن أزماته الشخصية في ذلك الكرب الذي يصوره على أنه هو المشهد القاتم والمؤلم لواقع أمته?! ولن أغوص عميقا في التاريخ العربي المعاصر بل إن الإنتفاضة الفلسطينية الأولى حركت المزيد من الأقلام أيضا, وهكذا كانت معظم الأحداث تحفّز الكتّاب على قول ما يشاؤون فتملأ كلماتهم الكتب والمجلات والصحف الصادرة, إلى أن حدث ذلك العمل الإرهابي في برجي نيويورك عام 2001 حيث أصيب الكتاب برهاب الخوف من الكلام والكتابة وتناسوا قضيتهم الإبداعية ولم يتنبهوا لحقيقة ما حدث ولم يتمعّنوا بنظرهم لاستبصار دور القوى الخفية والمعادية لقضايا أمتهم, بل انضوى أغلبهم ليحلل الظواهر ويتوصل إلى نتيجة مفزعة حول المستقبل, فتمثلوا أدوار العاجزين والمهزومين وتحولت كتاباتهم لتعكس واقعهم هذا مستغرَقًا بهالة تشويهية من الهذر والهراء والهذيان الكتابي غير المجدي على صعيد إعلان إعادة العلاقة مع الناس وقضاياهم‏

هنا, ازداد الشرخ, وكأن الجميع في قطيعة كاملة مع بعضهم, الناس لم تعد تقرأ أية كتابة أدبية لخلوها من طرح جواهر جماليات القضايا التي يتفاعلون معها يوميا, ولعدم رصدها ومواكبتها موضوعيا للإنجازات التي يحققها المقاومون العرب, وفعلا, لا نجد إلا ما ندر من كتابات, وهنا أتحفظ على قيمتها الإبداعية وكذلك أتحفظ على أغلب ما كُتِب سابقا - وكأن حالة من امتزاج الصمم والخرس والعمى معا, دبّت في ذهنيات الكتاب العرب, فسكتوا حين وجب أن يتكلموا بصوت عال فيكتبون القصائد والقصص والروايات والمسرحيات لتكون رديفة لوهج تغيُّرات الواقع الذي يصنعه إيمان المقاومين بتاريخ وكرامة وحرية وسيادة وطنهم 0‏

وبالتأكيد تحتاج السيرة الحاضرة لمدونين مبدعين وهم يُعْمِلون الرؤيا والرؤية معا لتحقيق الفرادة والتميز والخلق والكشف والبهر ومن ثم الإبداع الصحي والصريح لجمال مايجري مهما كان مأساويا ودمويا وسوداويا, فبصيص نار الشجاعة يتأكد خرقا شاسعا للموازين التي يتطلبها الحق ويفرضها ويحولها لصالح كفته, فلماذا يسكت كتاب الأدب ولا يسجلون فنيا وجماليا خلال الوقائع التي يجب أن تضاف لأيام العرب الخالدة والماجدة فتكون المنارة الملهمة للمبدعين حتى في المستقبل ليقولوا ما يجب أن يُقال في رسالة أمتهم الحضارية إبداعا أدبيا وفنيا يستحق أن يسمى مرموقا, فلا تزال الأسرار الجمالية والسحرية لانتصار المقاومة اللبنانية وكذلك المقاومة العراقية تنتظر من يفضّها ملاحمَ أوملاهيَ أدبية في غاية الإبداع والتسامي, وإنها تساهم في ارتقاء إحساس الكاتب المبدع بنفسه أولا ومن ثم تلمسه لجوهر واقعه الذي تبلوره البطولات فيعيد مدَّ الخطوط القرائية الآمنة بينه وبين الناس في مجتمعه والذين يحتاج أغلبهم لمن يوقظهم من النوم العميق وهم يستسلمون لخداع اللذائذ السطحية فيتعلمون من إبداع الكاتب والمقاوم معا الشكل والمضمون العريقين لصيرورة حياتهم الكريمة, وكيف ينطلقون وعقولهم مدفوعة بكامل فاعليتها ليساهموا في الإبداع العام لكل متطلبات الحضارة الإنسانية كتعبير عن قوة وجودهم الحي والعصري 0‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية