تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ومن الفلبين درس قضائي

بغداد
نواقيس
الاربعاء 27/12/2006
نزار السامرائي

أصدرت احدى المحاكم في الفلبين حكماً بالمؤبد على جندي امريكي اغتصب فتاة فلبينية.إلى هنا والخبر يمكن ان يمر دون اثارة,وسط ضجيج ماكنة الاعلام,والتي ابتلعته في جوفها الواسع ثم لفظته ليستقر ورقة ممزقة في سلة المهملات.

وفي بلد يحترم نفسه ومواطنيه وقوانينه ويطبقها على الجميع بمهنية ويوسع من دائرة نفاذها لتشمل كل فعل يقع فوق اراضيها بما في ذلك افراد القوات الامريكية التي تشغل قواعد ثابتة هناك,فإن صدور الحكم المذكور لقي ترحيباً في قاعة المحكمة ومن كل الذين كانوا يراقبون طيش الجندي الامريكي في اي مكان نزل فيه.‏

نعم مر الخبر سريعاً,ولو ان عربياً هو الذي اغتصب فتاة امريكية ( وحدث كهذا لا يمكن وقوعه بسبب الرصيد العالي من القيم التي يحملها العرب) لقام الاعلام الامريكي خصوصاً والغربي عموماً الدنيا ولتحركت كاميرات التلفزيون والصحافة ولأوسعت الحدث تغطية بلا ملل,ولترتب على ذلك تداعيات يتم توظيفها في الحرب على (الارهاب).‏

لكن خبر اغتصاب الفلبينية لم يشد انتباه أي شبكة امريكية,واضيف إلى الرصيد الامريكي المستور من سوابق مماثلة في اليابان وكوريا الجنوبية والعراق حيث تطوق القوات الامريكية الارض بحزام الرعب الجديد,وحيث يبيح الجنود الامريكيون لانفسهم حرية العبث بقيم المجتمعات التي يعملون فوق اراضيها.ويلاحظ المراقبون ان معظم اعتدءات الاغتصاب التي وقعت في اليابان أو كوريا أو الفلبين,كانت ضد فتيات بالغات سن الرشد,ومع ذلك وقف القضاء في تلك الدول بحزم واصدر أحكاماً بحق الجناة بموجب قوانين محلية,لان القضية تتعلق بالمبادئ,وعكست تلك الاحكام استقلال القضاة وسيادة تلك الدول,وجديتها في حماية مواطنيها من كل خروج على القانون.‏

أما في العراق فيبدو ان للانسان قيمة أقل من قيمة الانسان في اي مكان آخر,وإلا بماذا يمكن أن نفسر حصانة الجندي الامريكي عن الجرائم التي يرتكبها في العراق?فقد منعت قرارات اصدرها المحتلون,والمحاكم العراقية من حق الترافع في اي فعل ومهما بلغ شأنه للجنود الامريكيين,وحصرت ذلك بالقضاء العسكري الامريكي.‏

ان الاستهانة بارواح العراقيين وانتهاك كرامتهم واعرافهم واعراضهم,من قبل جنود الاحتلال يشكل سوابق تتعارض مع اتفاقيات جنيف الخاصة بحقوق شعوب البلدان الواقعة تحت الاحتلال,ومخالفة لمبادئ العدل وحقوق الانسان وميثاق الامم المتحدة.‏

ولعل ما جرى في سجن ابو غريب وبقية السجون الامريكية او تلك التي تعرف مواقعها وتفاصيل ما يجري فيها,ما يدحض الادعاءات الامريكية حول ما يحصل وراء الاقبية المعتمة من تعذيب لم يعرف له تاريخ البشرية مثيلاً,فالتهم وجهت إلى صغار الجنود الذين تحولوا إلى كبش فداء للتستر على المسؤولين الحقيقين من القادة الكبار بمن فيهم وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد,بل والرئيس بوش الذي دافع في وقت سابق عن اوامر اصدرها تتعلق بقواعد الاستجواب والتحقيق في السجون السرية والعلنية,وحافظ الخطاب الرسمي الامريكي,على الترويج لفكرة ان ماجرى كان سلوكاً فردياً وليس برامج منهجية تعكس منظومة القيم الامريكية والتي يسعون إلى تسويقها إلى البلدان التي قد تخضع لسيطرتهم.‏

ومراجعة سريعة للاحكام التي صدرت بحق من ارتكب جرائم التعذيب توصلنا إلى قناعة اكيدة بان الامريكي ينظر إلى كل ما هو غير امريكي على انه كائن ناقص الاهلية والانسانية أو انسان من الدرجة الثانية في احسن الاحوال.‏

وقد لا نكون بحاجة إلى سرد الكثير من الشواهد,بل سنذهب إلى حادثة واحدة ففيها مايكفي لتكوين صورة حقيقية عن الفرق في التعامل مع الانسان العراقي قياساً إلى كل شعوب الارض,وهي جريمة اغتصاب (عبير) في مدينة المحمودية جنوب بغداد من قبل جندي امريكي ومعه عدد من زملائه.‏

ولم تقف حيوانيتهم عند هذا الحد بل اقدموا على قتل (عبير) ذات الستة عشر ربيعاً وافراد اسرتها جميعاً ومن اجل اضاعة معالم الجريمة احرق الجنود الدار وجميع الضحايا,هذه الجريمة ظن الكثيرون من ذوي النوايا الحسنة ان القضاء الامريكي سيقف منها موقفاً حازماً,وخاصة ان العدالة الامريكية ستكون موضع تساؤل حول القيم الاخلاقية والقانونية التي تستند عليها.‏

فماذا جرى مع هذه الجريمة المروعة? لقد احيل الجناة إلى محكمة عسكرية ايضاً.‏

وكفت يد القضاء العراقي عن النظر فيها وحينما صدرت الاحكام جاءت مخيبة لآمال العراقيين ,فهي لم تصل مستوى ما يصدر في جنحة في المجتمع الامريكي بل ربما تصدر احكام اقسى بحق من يرتكب اساءة معاملة القطط والكلاب.‏

فلماذا يتمتع الجندي الامريكي بهذه الحصانة التي تفوق حد الوصف? بل ان الجندي الامريكي لا يتمتع بجزء بسيط منها داخل الولايات المتحدة,ولماذا لا يستعيد القضاء العراقي سلطاته على كل المقيمين فوق الاراضي العراقية? وخاصة جنود ( القوات المتعددة الجنسية).‏

ان ما وقع في المحمودية وباختصار شديد لو وقع في بلد آخر له سيادة حقيقية ويختص قضاؤه بالنظر في كل القضايا,لا نتفض مسؤولوه قبل ذوي الضحايا ولاستقالت حكومات اثر اخرى إذا لم تتمكن من الانتصاف للحق وتطبيق العدالة,وهذه الجريمة يجب ان تسحب على كل فعل وقع في مسرح الجريمة منذ اللحظة الاولى,ويجب ان يختص القضاء العراقي بمحاكمة الجناة,وإلا فإن غياب القصاص سيغري (الكاوبوي) بارتكاب المزيد مما لا يقع تحت طائلة العقاب العادل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية