|
شؤون سياسية معرفة لا يرقى إليها الشكّ, والطريف أن هذا الاكتشاف خفيف الظلّ ,وقع في الأرض التي يهيم بها ( بوش) عشقاً وغراماً وهي كما يراها ( إسرائيل) بينما يراها العالم الذي يناصر الحق والحقيقة فلسطين, هذه الأرض التي كانت وستبقى عربية الجذور, ينطق كل حجر فيها بالضاد وحضارة الأجداد العرب الذين بنوا فوق ترابها الطاهر حضارة عرفت المحبة والتسامح والانفتاح على الآخرين بعيداً عن التعصب والانغلاق والتقوقع والانطواء على الذات. أما اللحظة التي هبط فيها الوحي على الرئيس الأميركي ليخبره بخروج هذه الموهبة من طور الوجود بالقوة إلى طور الوجود بالفعل فكانت لحظة غاية في السعادة بالنسبة إليه, عبر فيها عن خضوعه وانقياده الأعمى للكيان الصهيوني, كانت الذكرى الستون لقيام ( إسرائيل) هذا الكيان الذي أوجدته مجموعة من العصابات المجرمة التي مُردت على الخروج على القانون, واستمرأت القتل والسلب والنهب, واستطاعت بمساعدات هائلة انصبت عليها من الغرب الحاقد على العرب تأسيس ( إسرائيل) على أرض فلسطين العربية. كان الرئيس منتشياً إلى درجة الذهول والغياب عن الوعي وهو يشارك الصهاينة فرحتهم, وبدا لكل من يراقب المشهد المخزي أن الرئيس الحاضر لا يمثل الولايات المتحدة الأميركية أرض الحرية ومنارة الديمقراطية كما يحلو لمواطنيها أن يصوروها, بل كان مواطناً إسرائيلياً حتى نخاعه الشوكي, ومن يدري فلربما شعر رئيس الوزراء الإسرائيلي الغارق في مسلسل فضائحه ( ايهود اولمرت) بالغيرة من هذا الضيف الأميركي الذي نافس الصهاينة في عشق ( إسرائيل). وبعد أن قدم ( بوش) فروض الطاعة والولاء للساسة الإسرائيليين عاد فتذكر ضرورة استعراض موهبة القدرة على قراءة الغيب ومعرفة أحداثه أمام مضيفيه الإسرائيليين فأعلن أن ( إسرائيل) ستحتفل بعد ستين عاماً بعيد ميلادها الذي سيحمل الرقم مئةوعشرين, ووصف الجو الذي سيجري فيه الاحتفال بأنه كما يظن ويتمنى سيكون خالياً من كل ما يعكر صفوه وصفو الساسة الصهاينة, وربما أراد القول إنها لن تكون على ما هي عليه اليوم من وجود وسط لا يستطيع قبولها ويظل ينظر إليها كعضو غريب على الجسد العربي الذي لا يستسيغ وجود مثل هذا العضو. قال الرئيس ( بوش) ما قاله وتابع جولاته في المنطقة العربية, ولم يكترث بردود الأفعال التي ثارت في الولايات المتحدة الأميركية معربة عن استنكارها لما قام به من تصرفات خلال الاحتفال المشار إليه. ألم يره مثلاً عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي صهيونياً أكثر من ( أولمرت)?. ولئن كان هؤلاء الأعضاء يرون في هذا الوصف مثلبة تلحق برئىس بلادهم فإن الرئيس ( الموهوب) يرى فيه وساماً يعلقه على صدره مفتخراً به أي افتخار!.. هكذا هي ( إسرائيل) مهوى فؤاد ( بوش) وهواه القديم الجديد تنسيه الكوارث التي سببها لبلاده, تنسيه أنه بات في نظر معظم المواطنين الأميركيين رئيساً هلامياً يجيد تقديم الوعود المعسولة الكاذبة التي أثبتت الأحداث أنها كانت سحاباً جهاماً ليس فيه قطرة ماء واحدة.وعد جنوده أن العراق سيكون نزهة جميلة فوجده سقر لا تبقي ولا تذر, وهاهي المظاهرات المستمرة كل حين تطالبه بعودة القوات الأميركية من العراق وأفغانستان بعد أن صار عدد القتلى والجرحى في صفوف الجنود الأميركيين شبحاً مفزعاً.وعد مواطنيه بالقضاء على الإرهاب فإذا بالإرهاب يغدو مصطلحاً غائماً لم يفهم منه الأميركيون إلا الخسائر في مجال الأمن والاقتصاد والسياسة والمكانة, والخوف من المستقبل الأسود القادم الذي يهدد حياتهم وحياة الأجيال القادمة من بعدهم. واليوم يريد ( بوش) أن يخدع أبناء الأمة العربية من ( شرم الشيخ) بتقديم وعود تشير إلى أنهم مقدمون على رخاء اقتصادي ما بعده رخاء, وكل ما هو مطلوب منهم للدخول في جنات هذا الرخاء الارتماء في الحضن الإسرائيلي الدافىء الحاني كما يصوره وكيل إسرائيل في العالم (بوش). لكن ليكن في علمه أن أبناء الأمة العربية لم يثقوا به يوماً ما ولن يثقوا به مادام مصراً على ارتداء القبعة الصهيونية والبكاء إذا أراد الصهاينة منه البكاء, والضحك إذا أشاروا عليه بالضحك, لأن العرب يعرفون أن (بوش) اختار طواعية أن يكون إسرائيلياً قبل أن يكون أميركياً. |
|