تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هذه ليست صورتنا

امرأة وشباب
الأربعاء 21/5/2008
رهادة عبدوش

ربما ترسخت صورة الشباب الحيوي النابض بالحياة والفرح عند البعض, وربما ترسخت صورة الشباب الثائر المنتفض على ما ومن حوله, الناقد للأعراف والتقاليد المنفتح على التجديد والتحديث, وربما ترسخت صور لشباب يطنش للآراء والأفكار المجتمعية,

فيحركه قلبه وأهواؤه, غير مبال بما يجري, يعيش في حالة من الحياة غير المنتظمة الصاخبة, صور كثيرة ترسخت في الأذهان عن الشباب, قد تكون بأغلبها مسبقة عما يعيشونه دون التيقن من حقيقة أن معظم هذه الصور مبالغ فيها بل هي صور بالفعل مسبقة وليست واقعية في أحوال كثيرة وخصوصاً في مجتمعنا الذي يقحم جميع أفراده في تفاصيل يومية لن تبدأ من تأمين الخبز ولن تنتهي عند تأثره بأي قرار دولي.‏

إنه عالم كبير يعيشونه مع الجميع ويخوضون معه الحراك اليومي ليختلط عمر الشباب بالكهولة والطفولة, وهذا واقع حقيقي يعبر عنه شبابنا في أماكن مختلفة ويؤثر على أجمل سنوات عمرهم إيجابا أو سلباً في أكثر الأحيان.‏

فمنذ أن كان أنس طفلاً صغيراً كان عليه البحث عن لقمة العيش, فهو رجل قادر على تحمل المسؤولية من وجهة نظر أسرته, وهذا ما دفعه للعمل عند ميكانيكي للسيارات, ورافق عمله - الذي بدأ في العطلات الصيفية ليمتد إلى أوقات المدرسة - دراسته الثانوية والجامعية - إلى أن انتهى من دراسة الحقوق وكان ذلك على حساب أيام طفولته وشبابه, فهو لم يعش حياة الشباب ويقول: لست وحدي من عاش في هذه الظروف فأنا واحد من شباب كثر أقحمهم الواقع الصعب في العمل المبكر فكان وقت الراحة هو وقت الدراسة ولا مجال لأي نشاط آخر كالرياضة أو الموسيقا أو الحفلات, فجأة وعينا على أننا أصبحنا آباء ونحن في عمر نعتبر فيه شباباً نبحث دوماً عن الضمان والأمان الاقتصادي, أحلم وأنا في عمر الثلاثين بأيام جميلة لأولادي أشعرهم فيها بطفولتهم وشبابهم الذي لم يعشه الكثير من أقراني.‏

أما ثناء فهي تبلغ من العمر الخامسة والعشرين وهي أم لثلاثة أطفال تؤكد أنها لا تعرف أياماً اسمها أيام الشباب فهي ومنذ عشر سنوات تركض خلف أولادها وبيتها لتؤمن حياة أفضل لأسرتها.‏

ومن جهة أخرى ترى (ريما سعد) أن أكثر الأشياء التي تؤرقها هي مقارنة وضعها كشابة بعمر الاثنين والعشرين بشباب في دول أخرى, بعضها مجاورة حيث إنها لا تزال تعارك بالجامعة بين رسوب بمواد تستحق النجاح فيها وبين كراسات ضخمة تعتمد على التلقين والحفظ, أما هم فقد انتهوا من دراسة الجامعة السلسة والمبسطة والتي تعتمد على البحث والاطلاع واللغات وبدؤوا خطوات واثقة في العمل, فيما تحلم هي بوظيفة في الدولة أو أي عمل بعيد أو قريب من دراستها, المهم عمل يؤمن لها دخلاً يشعرها باستقلالها.‏

ويعيش (طارق علوش) حياة يعتبرها محطمة, فهو ينتقل من حلم إلى آخر يبدأ وينتهي إلى النقطة نفسها يرى مجتمعاً محترفاً في كسر الأحلام ليجعل منه نسخة مكررة عن أبيه الذي طالما سعى أن يخطو طريقاً آخر بعيداً عن عقلية كان يراها متخلفة ومنهجاً كان يراه بائداً بالرغم من احترامه لأبيه لكن كان يتمنى أن يصنع من نفسه نموذجاً جديداً يفتخر به والده, وهذا ما لم يحدث بعد, فما زال يبحث عن عمل وها هي معلوماته التي درسها بدأت تتناقض وأصبحت أحلامه تتضاءل ليخطو طريقاً يتجه نحو الخلف لا يتعدى تمضية سنوات عمره بسلام.‏

أما (رنا طنوس) وهي متطوعة لإنقاذ عمريت فقد رأت بالتطوع وسيلة للتعبير عن نفسها وعن حبها لبلدها فكانت مع مجموعة من الشباب حماة لآثار عمريت, وأكدت أن الشباب في مجتمعنا لن يبحث عنه أحد هو الذي يجب عليه أن يبرز نفسه وأن يعلن عن طاقاته وإمكانياته ففي هذه الفوضى لا مكان للشاب مهما كانت لديه الكفاءات والإمكانيات إن لم يساهم بنفسه في إبرازها (لن يبحث عنا أحد نحن علينا أن نبرز ما لدينا, هذا هو واقعنا وعلينا أن نعيشه ونتكيف معه).‏

صور كثيرة التقينا معها تحكي واقعاً لشباب ربما ابتعدوا عن حياة الشباب الجميلة التي يتحسر عليها كبار السن أو ربما عاشوا هذا العمر بصورة مختلفة عما نتوقعه لكنها صور حقيقية تستدعي البحث عما يعانونه وتؤكد أن هنالك خللاً في التعامل مع فئة الشباب في مجتمعنا وفي مدى إتاحة الفرص والتسهيلات لهم لتظهر طاقاتهم فنتيح لهم أن يبرزوا دورهم ويحدثوا التغيير المنتظر من فئة الشباب وهذا ما يجب أن تسعى نحوه الخطط الحكومية بدءاً من المناهج التدريسية وانتهاء بالقوانين.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية