تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الولاء للوطن قبل المواطن

اراء
الأربعاء 21/5/2008
محمود شيخ عيسى

يمكن النظر إلى العلاقة التي تجمع بين المواطن والنظام الذي تضعه الدولة لحماية أمن هذا المواطن وتنظيم حياته على المستويات كلها على أنها علاقة محكومة بالتوتر والتشنج,

لكن يد المصادفة السعيدة تتدخل في اللحظات الحاسمة من المشهد الدرامي لتعيد هذه العلاقة إلى جادة الهدوء, لكنه يظل ذلك الهدوء المشوب بالحذر. لإقناع المواطن أن النظام وجد من أجله وأنه ضمانة الحياة السعيدة الرغيدة, والمواطن ينظر بعين الشك إلى محاولة الإقناع هذه, وربما رأى فيها نوعاً من الخدر اللذيذ, حتى إذا انتفض على السكرة وعادت إليه الفكرة وجد نفسه لا شعورياً يستدعي محاولة الإقناع إلى غرفة التحقيق ليخضعها لاستجواب قاس وربما نظر بعين الانزعاج من كل خطوة تقوم بها المحاولة للدفاع عن نفسها.‏

هذه العلاقة المهتزة بين المواطن والنظام الاجتماعي أو الأخلاقي تثير موضوعاً يظل على قدر كبير من الأهمية, ألا وهو موضوع الثقة التي يجب أن تكون متبادلة بين الحكومة والمواطن, فوجود مثل هذه الثقة يوفر على الحكومة والمواطن كثيراً من الجهد والوقت لدى التعامل مع كل قانون جديد أو تعليمات تضع نصب عينيها هدفاً نبيلاً يصب في مصلحة المواطن والوطن أولاً وأخيراً.‏

وهنا لا بأس من سوق مثال بدأنا بالتعايش مع تفاصيله وجزئياته دقيقها وجليها ونعني به قانون السير الذي بدأ سريان مفعوله اعتباراً من الثالث عشر من شهر أيار الجاري.‏

هذا القانون جاء لوضع حد لمسلسل طويل من النزف كان الوطن وأبناؤه الخاسرين الأكبرين فيه, وإذا قرأنا عدد ضحايا حوادث السير خلال الأعوام المنصرمة وهو عدد ضخم, أدركنا الحاجة الماسة لوضع قانون يأخذ بعين الاعتبار وجود أناس يمكن وصفهم بالمتهورين والمستهترين لإيجاد وسيلة مناسبة لردعهم عن الاستمرار في الخطأ.‏

ولدى وضع هذا القانون موضع التنفيذ عادت قضية الثقة بين المواطن والنظام الموضوع من قبل الحكومة التي يفترض أنها حريصة على مواطنيها, عادت القضية لتقرع أسماعنا وأبصارنا بقوة تستدعي تشخيص الحالة الراهنة.‏

وقبل كل شيء يجب الإشارة إلى أن إطلاق الأحكام النهائية حول الحالة مغامرة محفوفة بقدر كبير من الأخطاء, وهنا يمكن اللجوء إلى الحوار الهادىء الذي يسعى جاهداً لزرع الأضواء موضحاً معالم الجسر الذي يفضي إلى بناء علاقة طيبة بين المواطن والنظام, علاقة تستطيع بناء مسكن مناسب تقيم فيه الثقة بكل سعادة وهناء.‏

المواطن هو العنصر الفعال في ضمان نجاح هذا القانون, ولا بأس من الإشارة هنا إلى حالة التماهي والانصهار التي يجب أن تقوم بين المواطن وشرطي المرور بصفته مواطناً قبل أن يكون عنصراً في الحكومة, بحيث يصير الشرطي مواطناً يحرص على فهم أسباب وضع القانون والنتائج الإيجابية المرجوة من تطبيقه, وفي مثل هذه الحالة ينصرف هم الشرطي إلى تذكير المواطن بالعودة إلى جادة الصواب إذا ضل أو نسي, ويصبح الدفتر الخاص بتحرير الضبوط والمخالفات عصا ذات مظهر حضاري لا قمعي أو زجري يلجأ إليها الشرطي وضميره يعنفه لأنه وجد نفسه مضطراً إلى استخدامها مؤمناً أن الكي آخر العلاج, ويصبح المواطن شرطياً يحرص على الالتزام بكل مادة وردت في قانون السير, ويسعى جاهداً لعدم تجاوزها أو القفز فوقها بصرف النظر عن موقعه الوظيفي أو الاجتماعي أو الاقتصادي واللبيب من الإشارة يفهم.‏

حبذا لو نظرت الحكومة من خلال أولئك المشرفين على تطبيق القانون إلى المواطن بعين الحرص عليه واليقين أنه مؤهل لتفهم مبررات صدور القانون ودوافعه, فمثل هذه النظرة ستكون عنصراً فعالاً من عناصر نجاح القانون وهو هدف نبيل تلتقي عليه الحكومة والمواطن.‏

النقد الإيجابي الذي رافق صدور القانون يشير إلى رغبة مشتركة من قبل المواطن والشرطي في وجود نظام سير حضاري يضمن أمن المواطنين وسلامتهم, وكل ما أثير حول موضوع البنية التحتية التي يجب أن تكون موجودة ليكون القانون ذا صبغة واقعية لا خيالية, صبغة أرضية لا سماوية, يجب أن يكون حافزاً يدفع الحكومة للبدء بالمشاريع الحيوية التي تهيىء الأرضية الطيبة لتطبيق قانون السير بسلاسة ويسر, على قاعدة إن تكره الشكوى أزل أسبابها.‏

وأخيراً حبذا لو انطلق كل من الشرطي والمواطن على حد سواء ومن ورائهما الحكومة من قاعدة أن الولاء يجب أن يكون للوطن لا للمواطن لأن الوطن خير وأبقى.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية