تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سقوط المحرمات

كل أربعاء
الأربعاء 21/5/2008
سهيل إبراهيم

تعوّد النظام العربي الرسمي, وعبر عقود, على الاطاحة بالمحرمات, والعبث بالمقدس, وشيطنة احلامنا وطموحنا القومي, والانتقال بالبديهيات في التأسيس لنهضة الامة, الى مستحيلات ,

يعزو التفلت منها الى الواقعية حيناً, وشبكة المصالح الدولية حيناً اخر, فيلجأ الى الخيارات البائسة التي نقرأ عناوينها اليوم, في صفحات الراهن العربي انقساماً وتفككاً وانكساراً, امام حضارات قامت, وامم طورت معارفها وعلومها وشدت اواصر الوحدة فيما بينها, وامبراطوريات صعدت الى قمة الكون لتبسط نفوذها وقرارها الاحادي على معظم المعمورة.‏

بعض النظام الرسمي العربي, دشن جرأته على المقدس في حياتنا, منذ بدأ مقايضته الشهيرة قبل اكثر من ستين عاما, بين قيام الكيان الصهيوني, ورزمة من تجارب الاستقلال التي شهدتها منطقتنا في الاربعينيات, تلك المقايضة التي تكشف عنها وثائق الخارجية البريطانية, وتسمى سماسرتها وابطالها وخونتها, والغرف السرية التي عقدوا فيها الصفقة ووقعوا على عقود البيع, مقابل مواليد مشوهة لدول ليس لها الحق بتجاوز سن الحضانة في اسرة المصالح الغربية, التي كانت تفتح اشداقها على منطقتنا , ويسيل لعابها لكنوز الارض, واحتياطيات النفط والممرات المائية الاستراتيجية, وسلال الغذاء المرتقبة في المدى البعيد , حين تفيض الارض بخصبها, على ضفاف الانهار من النيل الازرق, الى الفراتين في العراق:‏

اصحاب الصفقة, فعلوها سراً يومها, وقبضوا الثمن في وضح النهار, امارات مجهرية وجمهوريات يتربعون على رأسها بوسائل ديمقراطية بدائية, وممالك مطوبة للاحياء منهم ولنسلهم القادم في الارحام, غلماناً يتدربون في المدارس العسكرية الانكليزية, ودوائر الاستخبارات فيها ويتوجون اوصياء على حاضر العرب ومستقبلهم.‏

هكذا وتحت بصر هؤلاء وسمعهم, تحول صهاينة فلسطين من خمسين الفا في مطالع اربعينيات القرن الماضي, الى خمسمئة الف صهيوني ,حين جاء وقت الوفاء بوعد بلفور عام 1948 وتحولت معهم ارض فلسطين من جناح جنوبي لسورية, وجناح شمالي لمصر, الى طائر شيطاني يعتمر القلنسوة اليهودية, ويضرب جنوبه وشماله بكل ماتوفر له من العتاد الحربي الامريكي على مدى ستين عاماً نلمس بصماتها اليوم في ذاكرتنا كالكوابيس! فيما بعد انتقل هذا البعض من النظام الرسمي العربي الى العلن, في الاطاحة بمقدساتنا, وشيطنة احلامنا! فذهب الى الكيان الصهيوني باقدام ثابتة على ايقاع نشيد السلام العبري, الذي فتح ابواب الصلح والتفاوض والاعتراف على مصراعيها , خارجاً على طموح العرب وامالهم باسترجاع التراب المحتل, واستعادة الاثر المقدس!.‏

من يومها وكل شيء يحمل فضيحته في العلن, من التواطؤ الذي رسم خطة غزو العراق, الى التواطؤ لإبادة المقاومة في فلسطين ولبنان, الى المنابر المنصوبة لجورج دبليو بوش على مد ذراع من فلسطين, ليعلن حربه الجديدة على كل ما بقي للعرب من مصادر الحلم.‏

الرئيس الامريكي الذي يجر خطاه سريعاً نحو الغياب, يدعو جزءاً من النظام الرسمي العربي ليخوض حربه ضد العرب الاخرين, بعد ان انهى مهمته في القدس وطوب ارض فلسطين, مشاعاً لبني اسرائيل, يطعمون منها عجولهم من نبت الخضيرة وعسقلان, ويخزنون فيها سلاحهم النووي الذي يتربص بأمه لاتتقن اليوم سوى, اسقاط المقدسات, وشيطنة الاحلام كعادتها منذ اكثر من ستين عاماً!‏

هو ذاهب نحو الغياب, والوقود الذي يشعله في المنطقة لن يحترق إلا بحوارييه, مهما تنادوا وتشاوروا واجتمعوا على الدسائس , وهو ذاهب نحو الغياب, والنار التي اضرمها فينا لن تحرق الا ظهور عساكره ومريديه الذين يعبثون بتاريخ الامة ومصيرها منذ عقود عديدة, وهو ذاهب الى الغياب , والمرجل الذي يغلي في المنطقة, لن تنضج فيه سوى الوجبة الساخنة, للمقاومين في لبنان وفلسطين والعراق وعمقهم العربي المتين.‏

سنعيد القدس الى مكانه والحلم الى مكانه, والبوصلة الى وجهتها الصحيحة, مهما حاول هذا النظام الرسمي العربي ان يلوث المقدس فينا, ويجهز على الاحلام في عيوننا, لأن الجمر لن يبقى تحت الرماد, والشرر القومي سوف يتطاير وقتما تحين ساعته.‏

وجورج دبليو بوش ذاهب الى الغياب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية