|
اضاءات «واختلافُ الرأي لا يفسدُ للودِّ قضيّة»، ضحكَ أحدُنا وسألَ المُتَحدِّث: «هل تعرفُ صَدْرَ البيت؟ ومن قائِلهُ؟» أجابَهُ الرجُلُ مُرتبكاً: «لا والله»، فعقَّبَ صديقُنا: «البيتُ كاملاً: ألأنيّ وليلى مختلفان ؟/ واختلافُ الرأيِ لا يفسدُ للودِّ قضيّةْ. وأظنّهُ للفرزدق» تدخّلتُ في الحديثِ لأقول: «أنا أيضاً لا أعرفُ لمن البيت، لكنّه ليسَ للفرزدقِ على ما أعتقد؛ فهذهِ ليست لغتُهُ، لكن لعلَّ الأهم من كل ذلك هو معنى البيت؛ لماذا يُفْسِدُ اختلافُ الرأيِ في الأدبِ أو الفكرِ أو السياسة الودَّ بين الناسِ في بلادنا؟ لماذا لا نقبل النقد، أو وجهة النظر الأخرى؟ لماذا لا نقبل الآخر المختلف عنّا في العموم؟!» تَبسَّمَ أحدُ الحاضرين، وما كان قد تَدخّلَ كثيراً في الحوار من قبل ليقول: «للإجابةِ عن بعضٍ من هذا السؤال العريض... الشائك، أحيُلكم إلى مذكّراتِ مستر همفر الجاسوس البريطاني الذي أرسلته دولتُهُ إلى منطقتنا كإنسانٍ بسيطٍ حِرْفي، وكنّا بعدُ تحت الاحتلال العثماني، فزارَ الأستانة وبغداد وغيرهما من البقاع، وكان يزوّدُ القسمَ المختص في وزارة الخارجيّة البريطانيّة بتقاريرِهِ عن كُلّ ما يراهُ مهمّاً ومفيداً؛ حدثَ الأمرُ في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وذاتَ يوم كتبَ إلى وزارتِهِ من البصرة عن أحوالِ المدنيةِ والناس فيها، وبيّنَ أنّ أهلها مُتحابون، طيّبون، وهم ينتمَونَ إلى فئتين دينيتين مختلفتين هما السنّة والشيعة؛ لكنَّ لباسهم واحد، وعاداتهم واحدة، وأسماء عائلاتهم مشتركة، وهم يتزاوجون فيما بينهم. فجاءَهُ ردُّ الخارجيّة البريطانيّة: «ابحث عن نقاط الاختلاف والخلاف بينهما»، وهكذا يا أصحابي ثمّةَ من يبحث عن نقاط الاختلاف والخلاف بيننا، ويشتغل عليها، بل يخلق حركات وتيّارات دينيّة وسياسيّة وربّما فكريّة لها غاياتها الخطيرة، كما فَعَلَ مستر همفر نفسه حين عملَ على خلق حركةٍ اجتاحت أرض الجزيرة العربيّة ونحصد آثارها اليوم... وكما فَعَلَ غيرُهُ في خلقِ من يسمونهم المجاهدين هنا وهناك والقاعدة والنُصرة وداعش وغيرها... والأهم من ذلك أننا كنّا نبتلعُ الطعم كل مَرّة، وندفع الثمنَ غالياً كلّ مَرّة، ولا نتعلم من أخطائنا إطلاقاً...»، وتمتَمَ آخر: «نظريّة المؤامرة من جديد!! دعنا من ذلك يا رجل!»، ودارَ حديثٌ طويلٌ ثانيةً، ودارت كؤوسُ شاي، وفناجين قهوة، ثُمّ غادرَ الأصحاب غُرفتي... وقدْ تركوا الكثير من أعقاب السجائر، ورماد الأمنيات... عُدتُ بعد أن رافقتهم حتى مدخل الدار أبحثُ في مكتبتي عن صَاحبِ البيت الشعري السابق، ولم يطل الوقت حتى عثرتُ على البيت في مسرحيّة شوقي الشعريّة «مجنون ليلى»؛ هاهوذا قيس يردُّ على الفتيات اللواتي قلنَ له: ليلى على دينِ قيسٍ فحيثُ مالَ تميلُ وكلُّ ما سَرَّ قيساً فعندَ ليلى جميلُ يردُّ قيس قائلاً: ما الذي أضحكَ مني الظبياتِ العامريّةْ ألأنيّ.... واختلاف الرأيِ لا يفسدُ للودِّ قضيّةْ أغلقتُ مسرحيّةَ أحمد شوقي وأنا أتمتم كأيِّ شاعرٍ خائبٍ طافحٍ بالأمل: «الحلُ في الحبّ... الحلُّ في الحبّ». |
|