تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بومبيو من جديد.. الفجور والغطرسة نهج أميركي متأصل

دراسات
الأحد1-9-2019
عبد الحليم سعود

عند تتبع التطورات المتعلقة بناقلة النفط الإيرانية «غريس» التي احتجزتها سلطات جبل طارق البريطانية منذ لحظة احتجازها بأسلوب القرصنة البحرية حتى لحظة الإفراج عنها

بضغط إيراني جاء نتيجة احتجاز ناقلة بريطانية، يبرز للعيان وبشكل وقح واستفزازي السلوك الأميركي وطريقة التعاطي مع الحادثة، حيث يمكن وصفه بالفجور والعربدة والخروج على القوانين الدولية والإنسانية، ومحاولة استعداء شعوب العالم وابتزاز دوله لتحقيق بعض المصالح والمكاسب السياسية ولو أدى ذلك إلى حروب مدمرة.‏

فمنذ البداية خضعت بريطانيا لضغوط إدارة ترامب بشأن احتجاز السفينة الإيرانية المحملة بالنفط، وتذرّعت لندن بتنفيذ العقوبات الأميركية على سورية على اعتبار أن الناقلة تنقل حمولتها إلى سورية، وهذا أكثر ما يثير الاستهجان والاستغراب، إذ كيف لدولة عضو دائم في الأمم المتحدة وتعتبر نفسها دولة عظمى أن تخضع لقوانين دولة أخرى، وتقوم بعملية قرصنة موصوفة في عرض البحار لا تخدم مصالحها في شيء، في الوقت الذي تدعي فيه سعيها لمكافحة عمليات القرصنة التي يقدم عليها قراصنة صوماليون في مضيق باب المندب وفي بحر العرب، وتدخل في تحالفات دولية على نية مواجهة مثل هذه العمليات العدائية ضد الملاحة الدولية في أكثر ممرات العالم الاقتصادية أهمية.‏

لكنّ من يعرف طبيعة العلاقات على ضفتي الأطلسي وخاصة تلك التي تربط واشنطن الرأس ولندن الذيل سيتوصل دون كثير عناء إلى أن العلاقة بين الطرفين هي علاقة تبعية وخضوع، بحيث لا يستطيع البريطانيون بمفردهم صياغة سياسة خاصة بهم تحفظ مصالحهم، فالكثير من القرارات التي تتخذها السلطات البريطانية هي صدى لرغبات أميركية بدءاً من حربي العراق وأفغانستان، وصولا إلى حرب اليمن والحرب في سورية، فالحكومة البريطانية عادة ما تنفذ ما يطلبه الأميركي دون اعتراض، على الرغم من الرأي العام البريطاني المعارض للسلوك والسياسة الأميركية في ملفات كثيرة، في الوقت الذي بدأت فيه ملامح تمايز وتباين أوروبية في المواقف السياسية والاقتصادية والأمنية ــ على قلتها ــ عن واشنطن، ولا أدل على ذلك من القضايا الخلافية داخل حلف الناتو بشأن حصص التمويل والمشاركة في العمليات الخارجية والموقف من مزاعم الخطر الروسي، وصولا إلى قضية «بريكست» التي تعيشها بريطانيا حالياً كتجلٍ للحظة طلاق بين بريطانيا وأوروبا الأم عنوانها الخروج من الاتحاد الأوروبي.‏

ما يهمنا في هذا المضمار هو كشف البعد غير الأخلاقي وغير الإنساني في السلوك الأميركي تجاه شعوب المنطقة، وتحديداً تلك الشعوب الرافضة والمقاومة للسلوك والتدخل الأميركي فيها والمتضررة بطبيعة الحال من السياسات الأميركية العدوانية، فما تفعله واشنطن ضد سورية وإيران هذه الأيام هو حصار عدواني ظالم وحرب اقتصادية شعواء ضد الشعبين السوري والإيراني بسبب وقوفهما صفاً واحدا في معركة واحدة ضد الارهاب الذي أنتجته السياسات الأميركية، وفي مواجهة واحدة ضد المشروعين الأميركي والصهيوني اللذين يستهدفان المنطقة برمتها، وفي آخر تجليات هذا الاستهداف سعي إدارة ترامب لإتمام صفقة القرن بخصوص تصفية القضية الفلسطينية على حساب حقوق ومعاناة الشعب الفلسطيني، وجعل الكيان الصهيوني أمراً واقعاً ومقبولاً في المنطقة على حساب مصالح شعوبها ودولها، وإرغام الجميع على التطبيع مع هذا الكيان وإقامة أفضل العلاقات الدبلوماسية معه، بغض النظر عما يحتله من أرض عربية ويسلبه من حقوق وينتهك من مقدسات وشرائع وقوانين وقرارات دولية وإنسانية، وما يطمح إليه من سيطرة وهيمنة على موارد المنطقة وثرواتها وتهديد مستقبلها.‏

ولعل من المثير للسخرية في هذا المجال ما أدلى به مايك بومبيو وزير خارجية أميركا بالأمس بخصوص الناقلة الإيرانية التي بدلت اسمها إلى أدريان داريا 1 واتجاهها المزعوم إلى السواحل السورية، واتهاماته السخيفة لإيران على خلفية تحول مسار الناقلة في اللحظات الأخيرة، ومما قاله هذا المتغطرس «إنه ما كان يجب على بريطانيا أن تثق بتعهدات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف».‏

وزعم عبر تغريدة نشرها على حسابه الرسمي في موقع تويتر «أن واشنطن لديها معلومات مؤكدة تفيد بأن الناقلة الإيرانية أدريان داريا اتجهت إلى سورية.‏

ولعل الأنكى والأقبح من كل ذلك هو ما قالته سيغال ماندلكر وكيلة وزارة الخزانة الأميركية من أن سفناً مثل أدريان داريا 1 تمكن (فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني) من شحن ونقل كميات كبيرة من النفط إلى سورية من أجل استخدامها في دعم الارهاب وقتل المدنيين على حد زعمها.‏

ولعل السؤال الذي ينبغي طرحه هنا على الملأ كي يسمعه بومبيو وأركان إدارته ماذا فعلت واشنطن وحلفاؤها في سورية طيلة ثماني سنوات من الحرب الظالمة عليها سوى دعم الارهاب الداعشي والتكفيري حتى يتمكن هذا الارهاب من قتل المدنيين وتشريدهم وتدمير المدن والقرى والبلدات والبنية التحتية، وسوى التدخل العسكري الاحتلالي وغير الشرعي في سورية بذريعة محاربة التنظيم الإرهابي الذي صنعته في العراق إبان احتلالها له، وقيامها بدعمه بكل مرتزقة العالم ومجرميه ليكون أداتها لإسقاط الدولة في سورية وتدميرها ومن ثم تقسيمها إلى دويلات وكانتونات عرقية وطائفية تقدم المسوّغ المناسب لقيام الدولة اليهودية العنصرية في فلسطين، فها هي مدينة الرقة المدمرة والعديد من القرى والبلدات السورية شاهد حي على التمثيلية الأميركية الهزيلة لمحاربة الارهاب، وبما يفضح فجور وتغطرس هذه الإدارة وهي تحارب السوريين بلقمة عيشهم عبر حرمانهم من مصادر الطاقة باحتلالها لمنطقة الجزيرة السورية الغنية بالموارد النفطية والزراعية والمائية، ومحاولة تمكين مليشياتها المرتزقة في «قسد» من اقتطاع كيان انفصالي في شمال سورية يكون صديقاً لإسرائيل ومعادياً في نفس الوقت للشعب السوري صاحب الأرض والحق والسيادة. ولعل عقوباتها القاسية على الشركات والدول التي تتعامل مع سورية، هو جزء من أساليبها العدوانية للضغط على السوريين وعلى دولتهم، فتهديد الشركات والأفراد المشاركين في معرض دمشق الدولي، هو محاولة يائسة لحرمان السوريين من فرص واعدة في مجال إعادة اعمار بلدهم التي دمرتها حرب الأطماع والمصالح الأميركية والصهيونية، فهل هناك إرهاب وإجرام واعتداء على المدنيين أكثر من هذا يا سيد بومبيو..؟!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية