تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المــأزومـــــون وســــــقوط الغطرســـــــة

دراسات
الأحد1-9-2019
الموقع الإقليمي، ومساحة التحكم بالقرار المقاوم ربما كانا ولا يزالان السبب الأهم للحرب على سورية بأجندة كونية إرهابية بين وهابية وأخوانية،

ومن المعروف منذ انطلاقة هذه الحرب بأن المثلث فيها كان رأسه أمروصهيونياً وأضلاعه غير متساوية؛ فلا الأعراب يعطون أهمية إسرائيل بالنسبة لأميركا، ولا أردوغان يحتل الأهمية الموازية لكيان العدوان الصهيوني. وبناء عليه فقد كان الكونترول الأمروصهيوني يدير الحرب بأذرع إرهابية ويشغّل فيها الأدوات بما فيها الأطلسيون، وكان اللّوبي الصهيوني يشغّل الإدارة الأميركية بمقتضيات تمرير ما اتفق على تسميته صفقة القرن الترامبية لاحقاً. وفي تحليل المجرى الذي دخلت فيه الأحداث منذ عام 2011م حتى اليوم سنجد أن مشروع الحرب الإرهابية لم يتمكن من تحقيق تدمير الدولة، ولاتفكيك المجتمع السوري، بل حصل العكس أن كل الإمكانات التي تمّ توفيرها لدعم المشروع الصهيوني التهويدي عبر مزاعم الربيع عند العرب سقطت على أرض المقاومة والتاريخ سورية.‏

والسمة الأكثر أهمية في المشروع العدواني على بلدنا قد انصبّت بادئ ذي بدء على إجبار سورية لإخلاء الموقع الإقليمي الذي احتلته عبر الدائرتين: العربية والإسلامية. والتقليل من مساحة أثرها، وتأثيرها بالقرار العروبي وأصوله المقاومة، وما زاد من حَنَقِ الغرب المتصهين المتحالف ضد سورية أنه رغم ما ضخّ من أحقاد لتشويه صورة بلدنا، وجعلها سبباً بكل استبداد التاريخ جاء بقطعان إرهابية تكفيرية وصيغ لإدارة حياة الناس في المناطق التي تمّت السيطرة عليها بما وضع المواطن الآمن أمام حقائق لا سبيل لنكرانها، أو للتّنصّل منها تلك التي تشير إلى الاستهتار الأعظم بقدسية حياة الإنسان، وصفة المسلم حيث تم قتل النفس التي حرّم الله قتلها ولم يعد المسلم من سلم الناس من يده، ولسانه.‏

وهنا شهدنا إرهاصات متعددة أولاً لجزء من المجتمع ضيّع الحاكمية العادلة. وثانياً: لقوى بديلة تتحكّم ولم تكن من أرض الناس، وتاريخها، وثقافتها فهم أغيارٌ أتوا مجرمين وليسوا أهلاً لأي منهج للمسلمين. وبناء عليه لم تعد الحرب الإرهابية على سورية ضمن فضائها الإقليمي بل امتدّ الفضاء إلى الأفق الدولي، وصارت العلاقات الدولية تتأثر بنيوياً بما يُخطط لسورية، وما يُرسم لجغرافية الإقليم العربي عموماً من المشرق العربي إلى مغربه. وقد وقف المجتمع الدولي على أكثر من حالة اصطفاف تجاه سورية لكون المشروع الأمروصهيوني الذي رُتّب من أجلها لم تتوقف أضراره عند حدودها بل تعدّت هذه الأضرار المجال الوطني، والإقليمي لسورية لتتصل بالخرائط التي تهمّ القوى العظمى في روسيا، وإيران، والصين وغيرها، وعند هذا التحوّل في خطورة الحرب الإرهابية على سورية صارت الصين تشعر بأن سورية تحارب لضمان أمنها وأمن العالم المهدّد بمجمله من ظاهرة داعش، ولذا فقد توحّدت المهام الإقليمية، والعالمية إزاء العدو الواحد المهدد للجميع.‏

ودخول الوضع السوري في فضاء الكباش الدولي أكسب بلدنا التحالف الذي هو تحالف المصير الواحد ضد العدو الواحد. ومعلوم لدينا كيف تبدّلت مرجعيات الحرب علينا من الوكلاء إلى الأصلاء، ومن الإقليم إلى القوى الدولية العظمى حيث دخل الأميركيون والأطلسيون أرض سورية من دون أي شرعية تتفق مع القانون الدولي، أو مواثيق الأمم المتحدة، وقد دفعت أميركا بأردوغان لكي يدخل الأرض السورية ويقيم نقاط المراقبة ولو استبان هذا الحال - ظاهرياً- بأنه جاء من توافقات أستانا وسوتشي فأميركا قد دخلت وأمسكتْ بالأكراد الانفصاليين لأن فيهم خلق مساحة من التأثير السياسي، والميداني تجعل من قضية تقسيم سورية قضية تفرض نفسها على أي صيغة للحل السياسي، وتقسيم سورية قضية متفق عليها مع أردوغان، وإن يبدو أن أردوغان لا يقبل بالكانتون الكردي وهنا تشابكت خيوط اللعبة بين حليف لأميركا وغير محترمة مصالح بلاده من قبلها، وحليف أميركي لا يراعي مصالح تركيا حين يخطط لتقسيم سورية، وفي هذا المقلب دخل أردوغان عنق الزجاجة وتأكد له أن العلاقة مع أميركا لن تعطيه طموحاته في القضاء على الأكراد السياسيين، وكذلك الميل نحو روسيا لن يعطيه التحكّم في إدلب إلى زمن طويل، وبهذا دخل أردوغان في النفق المجهول، ولكي يفتح لنفسه كوة الضوء تعامل مع النصرة بتقلباتها بين هيئة تحرير الشام وجيش التحرير وشرع يلتفّ على توافقات سوتشي في أيلول 2018م، وتوافقات أستانا 13 ما جعل من سورية وحلفائها يحسمون الأمر بتنفيذ مقررات أستانا 13 بالقوة، فتقدّم الجيش شمال حماة ليحرر المنطقة بكاملها بأقصر زمن ثم ليتقدم نحو خان شيخون فيحرّرها مع ريفها، وتصبح نقطة مراقبة أردوغان في مورك محاصرة وخارجة عن الخدم، ولكي ينقذ أردوغان نفسه أرسل الرتل العسكري الذي سيساند نقطة مراقبة مورك وهنا قد منعها جيشنا والحلفاء من التقدم نحو خان شيخون بعد أن قصف بالطيران طلائعها الاستطلاعية فتوقف الرّتل ولاذ في شمال المعرّة، إن تقدم جيشنا وحلفائه وتحرير شمال حماة وخان شيخون بالسرعة القصوى قد خلق معادلة جديدة كسرت أولاً نظرية الخطوط الحمر؛ وأعطت ثانياً الرسالة إلى المحتلين الأميركيين والأطلسيين داخل سورية بأن الجيش العربي السوري لن ينتظر إلى زمن طويل حين يتأكد له بأن التفافاً ملحوظاً يستهدف توافقات أستانا وسوتشي، ووفق مقتضاه تغيّرت خارطة الميدان وأُسقط بيد أميركا، وأردوغان فَبَاشَرَ هذا الأخير اتصالاته بالروس حيث أكد له الرئيس بوتين ضرورة تطبيق مقررات سوتشي 2018م ، وأستانا 13.‏

وما أصبح أردوغان محتاجاً إليه هو التوافق على سوتشي جديد يغيّر خارطة وجود نقاط مراقبته لكونها لم تكن ضد الإرهابيين بقدر ما كانت لمساندتهم، وعلى الجانب الآخر قد تأكد الروس من التفافات أردوغان وتحايله وسلوكه المزدوج ما أفقد الثقة فيه لدى الدول الضامنة، ولكي لا يظهر للمجتمع الدولي أن سورية قد أقبلت على لحظة الانتصار الكامل تدفع أميركا بنتنياهو حتى يعتدي على مراكز عسكرية في سورية، وعلى مركز إعلامي لحزب الله في لبنان، وكانت قد اعتدت إسرائيل على مراكز للحشد الشعبي في العراق، وفي مثل هذه الغطرسة الصهيونية يستوجب من الحلفاء في المقاومة أن يكونوا على جاهزية تامّة، فالرّد على الاعتداءات الصهيونية مهمٌّ حتى لا يستخدم نتنياهو عدوانه في الدعاية الانتخابية لنفسه، وحتى لا تبقى إسرائيل تفعل ما تشاء دون ردّ، وحتى ينتهي زمن غطرسة القوة الغاشمة لأن من يلعب بالنار لا بد أن تحترق أصابعه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية