|
متابعات سياسية من حقنا – بطبيعة الحال – أن نفهم ما الذي يعنيه أوباما بإغلاق معتقل غوانتانامو . ولنتذكر أولاً أنه تاجر كثيراً بهذا الشعار خلال حملتيه الانتخابيتين وفترتي رئاسته دون أن ينفذه عملياً , ولا يبدو أنه سيقوم بتنفيذه قبل انتهاء فترة رئاسته االثانية والأخيرة , وكأنّ هناك قوىً أكبر منه في أمريكا تحول دون تحقيق رغبته هذه , أو كأن هذه الرغبة هي مجرد ادّعاء لا صدقية وراءه . ولنتذكر ثانياً أن معتقل غوانتانامو هو بشكل طبيعي يقف على طريق التصفية كمعتقل , لكنّ هذا المعتقل بات يتخذ غطاءً لتدريب عتاة الإرهابيين وتحويلهم من إرهابيين عاديين الى قادة للعصابات الإرهابية كما أثبتت التجربة العملية . فكم من زعيم للعصابات الإرهابية اليوم هو من خريجي غوانتانامو ؟. وما يحدث في هذه الأيام أن معسكرات تدريب الإرهابيين قد تعددت , وباتت تتواجد في العديد من البلدان . وبات المدربون الأمريكيون متواجدين في هذه المعسكرات المتعددة . وعليه , فإن معتقل أو معسكر غوانتانامو لم يعد ضرورياً بعد أن توفرت البدائل . وبوسعنا أن نتوقع بأن الأمريكي يرسل زبائنه من غوانتانامو الى تلك المعسكرات العديدة لتدريب الإرهابيين ليقوموا بالأدوار التي رسمتها لهم المخابرات المركزية الأمريكية ودربتهم عليها . وبالتالي يمكن القول إن غوانتانامو بات بمثابة المشروع الذي تفرعت عنه مشاريع , وهو الذي يفرز الموكلين بإدارة الإرهاب من بين خريجيه . ولهذا لم نسمع منذ زمن ولن نسمع عن تسليم أحد من معتقلي غوانتانامو الى دولته التي يحمل جنسيتها . فمن يطلق سراحه منهم ينتقل بشكل مباشر الى حيث يمكن أن ينفذ الدور المطلوب منه في إدارة الإرهاب . وبهذا المعنى فإن رغبة أوباما في إغلاق غوانتانامو هي رغبته في أن يرى خريجي غوانتانامو يديرون معسكرات التدريب البديلة التي هيّئت للإرهابيين في بلدان عديدة . ولندع غوانتانامو لنقف عند رغبة أوباما الثانية . إنه يريد ترخيصاً من الكونغرس لاستخدام القوة العسكرية ضد تنظيم داعش !!. لنلاحظ أولاً أن أوباما اختصر الإرهاب في داعش !. ولنلاحظ ثانياً أن تواجد داعش بشكل أساسي هو في سورية والعراق . ولنلاحظ ثالثاً أن ثمة اتفاقية أمنية بين أميركا والعراق تجعل أوباما في حل من الحاجة الى ترخيص من الكونغرس إذا أراد استخدام القوة العسكرية ضد داعش في العراق . ومعنى ذلك أنه يريد ترخيصاً يتعلق بسورية حصراً . ولنلاحظ رابعاً أن أمريكا تستخدم قواتها الجوية ضد داعش أو تزعم استخدامها ضده سواء في سورية أو العراق . ومعنى ذلك أنه يريد ترخيصاً باستخدام القوات البرية . ولا نظن أن استخدام القوة العسكرية يحتاج الى تجزئة الرخصة من الكونغرس والتمييز بين قوات برية وجوية وبحرية . ولكن كلام أوباما عن هذه الحاجة يدل على تعديل في سياسته طرأ أخيراً , وأنه يريد لهذا التعديل تبريراً . إذن , فإن أوباما وهو يعلن عن هذه الرغبة كان يلفّ ويدور ويسعى من أجل تحقيق تواجد أميركي برّي مسلح في جزء من الأراضي السورية بذريعة محاربة داعش . وهذا ما ذهب إليه ومعه الفرنسيون والألمان والانجليز حين زجوا بقوات خاصة لمساعدة « قسد » في منبج , أو بذريعة مساعدتها في منبج . وبالتأكيد أنهم ما كانوا ليتخذوا مثل هذه الخطوة لو لم يجر التواطؤ بينهم على اتخاذها . ولعل هذه الخطوة هي بند من بنود ما أسميت بالخطة البديلة ب , والتي كشف النقاب عن وجودها في لحظة الإعلان عن اتفاق التهدئة في سورية . لقد سعى أوباما وراء هذا الهدف التكتيكي ذي البعد الاستراتيجي الواضح في مسار الصراع في الوقت الذي أخذت فيه داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية تتهاوى . فهل هو يرمي من وراء ذلك الى القضاء على داعش كما يزعم ؟ أم يسعى الى أمور أخرى ؟ وماذا يمكن أن تكون هذه الأمور؟ . في تقديرنا أن أوباما , وبعد أن فوجئ بالدور الروسي الفعال في محاربة الإرهاب الى جانب الجيش السوري وحلفائه , وما أدى اليه من نتائج, سعى الى ما يلي : أولاً – تثبيت أقدام داعش وشقيقاتها في بعض المواقع . ثانياً – إيجاد موطئ قدم للقوات الأمريكية على الخريطة السورية تحت ذريعة محاربة داعش , وذلك بعد أن فشلت محاولاته لزج القوات البرية لبعض الدول الإقليمية مثل تركيا والسعودية لأداء هذا الدور . ثالثاً – سحب حجة عملائه الإقليميين في ترددهم بزج قوات برية في سورية بذريعة محاربة داعش , بعد أن راح هؤلاء يرهنون خطوتهم هذه بتواجد القوات الأمريكية وقوات الناتو معهم , فكانت الخطوات العدوانية الناتوية التي نفذت حتى الآن ولو بقوات رمزية . ولعل علينا أن نفهم ما حدث في الأردن مؤخراً من ضربات للجيش الأردني في سياق المخطط الرامي الى إقحام بعض جيوش دول المنطقة للتواج على الجغرافيا السورية . إن غرضية أوباما في استثمار الإرهاب كأداة وذريعة في محاولة أداء الدور المطلوب من واشنطن وعملائها في خدمة الخطط الشيطانية الصهيونية في المنطقة هي أكثر من واضحة . فلو كان أوباما يريد محاربة داعش وشقيقاتها حقاً لاكتفى بالإيعاز الى الأنظمة العميلة له بوقف دعمها للإرهابيين , والكف عن تقديم الخدمات لهم . ولكنه لم يفعل ولن يفعل , وذلك لأنه يريد استثمار الإرهاب بكل صوره وأشكاله في خدمة الشيطان الصهيوني وخططه العدوانية التوسعية . |
|